مخيّرون أم مسيرون؟
د. سبأ جرار | فلسطين
محوران في حياتنا لا نختارهما؛ وهما: العائلة والوطن، فنحن بهما مسيرون، وبُعدان في حياتنا نختارهما؛ وهما: كيف نتعامل مع هذين المحورين لأننا بذلك مخيرون، فينمو هذا الاختيار في النضج الزمني للعمر، والنضج الحياتي للخبرات والمهارات في فن ممارسة الحياة وإحداث التوازنات، وتكون أهم مؤشرات بدء الامتيازات بأن نبلغ عمرا يحق لنا التصويت، ويجوز فيه أن نُجرَّم ونسجن، فكل ما يسعى له الطفل جاهدا يريد أن يكبر لينال شرف المحاولة والامتلاك، يرافقه نضج الخبرة وتحديد القرارات، ويبقى في حالة متغيرة تجنح للاكتمال وتحديد معالم الشخصية كلما أخفقنا أو نجحنا في قراراتنا التي تنتج دائما عن مخاضات عسيرة مهما تيسر أمرها، فهي مخاض لولادة تحيطها التهديدات حتى آخر لحظة.
ولنعود للنضج الزمني،… حين نكون في بدايات العمر نتوق لاختياراتشجاعة تواجه الحواجز وتسعى للتغيير لكن ضعفنا وقلة ما نمتلك من قوة يجعلنا عاجزين عن بلوغ ما نطمح إليه، وحين يتقدم بنا النضج الزمني (العمر)، ونتحول لأصحاب قوة وسلطة وجرأة في القرارات لبلوغ غاياتنا، توقفنا الحكمة وتحمل المسؤولية تجاه الآخرين، وتكون الغلبة لحكمة الكهولة حيث ولى عنفوان الشباب فنقرر فقدان ما نمتلك لأجل من نمتلك؛ فلسفة غريبة نعايشها باختيارنا وبتسيير الحياة لنا …، فنجتهد لنكون أقل الخاسرين وأفضل المجتازين للاختبارات.
لاشك أن ما تحمله كلماتي اليوم تخفي غضبا من الحياة فقط، كيف توحي لنا بأننا أحرار ونمارس بأيدينا تأطير وتحجيم هذه الحرية لكي نحافظ على البقاء؟ … هي لحظة من الصفاء في التفكير أعبر فيها عن لحظة يمر بها الجميع أو كما تريدون، ويبقى الاختلاف كيف يستيقظون تبعا للبيئة الحاضنة أو النافرة التي يعيشون بها باختيارهم أو بواقعهم لا فرق …..لأن النضج الزمني مستمر.
وعودة للوطن والعائلة الاختياران …. أشعر أنني أريد أن أصفه ولا أدري حقيقة كم سيدوم هذا الوصف والإحساس أم تره سيتغير اَم يُغَيَّرُ قصراً. عموما أرى الوطن الآن سلالات من القيم والدلالات التي التصقت بتكويننا والتي تطورت بعد هذا التسارع في الحضارة لتمنحنا حق معايشة أيِّ من السلالات وأينما نشاء، فنحن مخيرون أن نحمل أوطاننا معنا، وأن نجملها، وأن نضفي عليها معانٍ جديدة من منطلق الحب والانتماء، وأن نمنحها شكلاً وأدوات نريدها في وطننا؛ كذلك العائلة تبعا للتمدن والتطور اكتسبت صورا وأحجاما في القيم؛ فهي كبيرة ممتدة للحصول على الكنية والتعريف، وهي صغيرة مغلقة لتحقيق الذات والثقة والسكون، وأيًّا كان حجمها نحن مخيرون في معايشتنا لتفاصيلها بما لا يتعارض مع نوع الوطن الذي نحياه في تلك المعايشة.
ويبقى الوطن و العائلة ملتصقان بنا وبخياراتنا (الحرة) في جواز السفر .