وقفات.. في تحية المقالح
فضل خلف جبر | شاعر وناقد عراقي – أمريكا
الوقفة الأولى:
لم تسبق لي زيارة اليمن قبل عام 1992، وهو عام وصولي الى صنعاء، لذلك لم ألتق بالدكتور عبد العزيز المقالح شخصياً، وإن كنت قد قرأت له قبل ذلك التاريخ بكثير.
وأذكر انني قبل سفري من العراق، التقيت – مصادفة – الصديق الشاعر زاهر الجيزاني وحين عرف بنيتي السفر الى اليمن، سألني ان كان بيني وبين الدكتور عبد العزيز المقالح أي تواصل سابق، وحين أجبته بالنفي، تبرع بكتابة رسالة تعريف وتوصية، فقد سبق للجيزاني أن زار اليمن في مناسبة أدبية والتقى بالمقالح.
حين وصلت الى صنعاء كان عليّ أولاً التركيز على بعض التفاصيل الأساسية التي تتعلق بوجودي هناك قبل أن أتوجه للقاء المقالح. زرته ذات يوم، بعد أن أستقر بي المقام، في مكتبه العريق في مركز الدراسات والبحوث، والذي يقع في بداية شارع بغداد، لتتوطد بيننا، منذ ذلك اليوم، علاقة تسودها المودة والاحترام المتبادل والرفقة الطيبة حتى مغادرتي اليمن عام 1998.
الوقفة الثانية:
خلال سنوات اقامتي في اليمن الحبيب، جمعتني صداقات عميقة مع عدد كبير من الأسماء الأدبية والثقافية، وكان كبير الفضل في ذلك يعود إلى “المقيل” الأسبوعي الذي ينعقد في مركز الدراسات والبحوث بحضور الدكتور المقالح ووجوه عديدة من نخبة الثقافة اليمنية والعربية. كان مقيل مركز الدراسات والبحوث بحق بمثابة “أكاديمية تجريبية” مصغرة لكل الفنون والاجناس الأدبية، وتحضرها شخصيات عربية ودولية في كافة التخصصات والحقول. كانت تقرأ فيه القصائد والقصص والنقد والمسرح، حتى لقد انبثق من جنبات ذلك المقيل ما عرف ب “مسرح المقيل”، والذي أسهم في بل
ورته المسرحيان العراقي الراحل كريم جثير واليمني عبد القادر صبري، بجهود مستقلة. هذا المقيل/ الأكاديمية تمرّست فيه ومن خلاله العديد من الأصوات الشابة حينها، والتي تمثل اليوم وجوها أدبية مرموقة في المشهد الإبداعي اليمني.
وبالإضافة الى هذا المقيل الاحترافي، كانت هناك “مقائل” ثانوية يحضرها الدكتور المقالح تنعقد خلال أيام الأسبوع، لكنها ذات طابع اجتماعي ثقافي والحضور فيها خاص، وتتداول فيها كافة المستجدات.
ويطيب لي أن أذكر هنا انني حظيت بشرف استضافة مقيل أحد أيام الأسبوع، التي يحضرها الدكتور المقالح، في بيتي المتواضع في شارع بغداد، والذي شاركني السكن فيه، لبعض الوقت، الصديق الشاعر عبد الرزاق الربيعي. وكان يجتمع في ذلك المقيل نخبة طيبة من مشارب متعددة من نسيج الثقافة والمجتمع اليمني. لقد كان مما يسعدنا، خاصة، انا والأخ عبد الرزاق الربيعي، أن نرى روح المودة والانسجام المجتمعي اليمني ممثلة بحضور الطيف اليمني بكافة ألوانه، وهو امر دأب الدكتور المقالح على تشجيعه والحض عليه.
الوقفة الأخيرة:
لا نعتقد اننا نبالغ إذا قلنا ان الدكتور المقالح أحب بلاده بمستوى نادر من السمو والجمال. وهو، بلا شك، واحد من أولئك البنائين المؤسسين الذين يشغلهم هاجس تطوير وبناء بلدانهم ومجتمعاتهم بهدوء وتؤده.
ولأنه يدرك تماما دوره الفاعل كراع وبوابة ثقافية حقيقية للتنوير، من خلال موقعه الأدبي المرموق ومركزه في قيادة جامعة صنعاء؛ فقد كان لا يألو جهدا في دعم عملية التجسير بين اليمن ومحيطها العربي والعالمي.
لا تحضرني الأسماء العربية خلال فترة اقامتي في اليمن في التسعينات، باستثناء الراحلين سليمان العيسى وإبراهيم الجرادي؛ لكن ذاكرتي تحتفظ بقائمة طويلة من الحضور العراقي متمثلا ب:
د. حاتم الصكر، د. عبد الرضا علي، د. علي جعفر العلاق، د. محسن اطيمش، د. شاكر خصباك، د. عبد الاله الصائغ، د. عبد علي الجسماني، د. سعد التميمي، د. صبري مسلم، د. وجدان الصائغ، د. محسن الموسوي، سعيد الزبيدي د. رشيد ياسين مع الاعتذار للأسماء التي لم تسعفني ذاكرتي بها.
حضور هذه الأسماء المنتجة، ولا شك، كان بسبب عمق وتشعب علاقات الدكتور عبد العزيز المقالح وحرصه على رفد الدرس الأكاديمي بخبرة هذه الأسماء ثقيلة الوزن في الجانبين الأكاديمي والابداعي.
تحية وفاء وعرفان للدكتور عبد العزيز المقالح، وبمناسبته دائما. ودعاؤنا له بتمام الصحة ومواصلة العطاء.