العدالة الاجتماعية مطلب شعبي
حازم القواسمي | القدس – فلسطين
أصبحت العدالة الاجتماعية مطلباً شعبياً يرفعه المتظاهرون في جميع الدول العربية ودول العالم الثائر في القرن الواحد والعشرين، حيث كانت إحدى المطالب الرئيسية في جميع الثورات العربية الحديثة “عيش، حرية، عدالة اجتماعية”. وعندما نتحدث عن العدالة الاجتماعية مهم أن نعرف ماذا يعني هذا المصطلح الذي أصبح دارجاً بينما الكثير لا يعرف ما معناه بالضبط. حيث يقوم مفهوم العدالة الاجتماعية على مبادئ المساواة والإنصاف وحقوق الإنسان والمشاركة والعدل في توزيع الموارد.
واستجابة للمطالب الشعبية في الديمقراطيات الغربية، انبثق عن الليبرالية الحديثة ليبرالية مطعّمة لها رواج بين الأوساط المجتمعية أطلقوا عليها اسم الليبرالية الاجتماعية إشارة منهم لتضمين العدالة الاجتماعية في النظام الليبرالي الحديث.
وكذلك أصبحت بعض الأحزاب السياسية تسمي نفسها بالأحزاب الديمقراطية الاجتماعية إشارة لتأكيدهم على مبادئ العدالة الاجتماعية في سعيهم الديمقراطي. وليس خفيّا على أحد أنّ أكثر من ينادي بالعدالة الاجتماعية هي الأحزاب اليسارية الاشتراكية حيث يدّعون أنهم مع الفقراء والعمال والمستضعفين، إلا أنّ التجربة أثبتت أن العدالة الاجتماعية وإنصاف الطبقات المهمشة ليست حكراً على الاشتراكيين أو اليمينيين أو اليساريين بل إن الأنظمة الديمقراطية الليبرالية هي الأنجح اليوم في تطبيق مفاهيم العدالة الاجتماعية بإبداع وتميّز.
تقوم العدالة الاجتماعية على مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة، وبالتأكيد ليست المساواة المطلقة في كل شيء لأنها مستحيلة. المهم ألا تشعر طبقة معينة في المجتمع بعدم المساواة والتمييز السلبي ضدها، سواء أكانت تلك الطبقة أقلية دينية أو قومية أو عرقية. والهدف من تطبيق أسس العدالة الاجتماعية هو جسر الهوة وإزالة الفوارق المادية بين الفئات الاجتماعية بحيث يتم توزيع ثروات البلاد على الجميع بصيغة تشاركية ولا ينحصر الغنى الفاحش في يد فئة معينة دون غيرهم بل يعم الخير على الجميع بلا استثناء. وبالتأكيد سيبقى هناك أغنياء وفقراء في كل الدول مهما فعلنا ومهما اجتهدنا لكن المهم أن يكون هناك نظام للتكافل الاجتماعي وبرامج وخطط لنصرة الفقراء والمستضعفين.
فلا يعقل أن تترك الدولة فقراءها يموتون من الجوع على جوانب الطرقات أو في الكهوف النائية. ولا يعقل أن تترك الدولة شبابها بدون أن توفّر لهم فرص العمل بأجر معقول لأن البطالة والفقر والعوز تؤدي إلى السرقة والجريمة وانتشار الآفات الاجتماعية غير المحمودة. لذلك من واجب الدولة الديمقراطية أن تمنع تغول الرأسمالية المادية عن طريق مساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة من مواطنيها وتحديداً ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يجب أن توفر لهم الدولة السكن والمواصلات والتعليم والتطبيب المجاني. وهناك فئات يمكن للدولة أن تدعمها مادياً بشكل مباشر كالمطلقات والأرامل اللواتي لا يستطعن أن يقومن بإعالة أنفسهن. وكذلك رعاية الأيتام وكبار السن هي من مسؤولية الدولة في الأساس ولا يجب أن تكون معتمدة فقط على الجمعيات الخيرية والمؤسسات غير الربحية.
إن العدالة الاجتماعية تعني عدم التحيّز لطبقة أو فئة أو قبيلة دون أخرى، وعلى الدولة توفير نظام صحي مجاني لكافة مواطنيها بأعلى جودة ممكنة لأن صحة الإنسان هي على رأس الأولويات. وكذلك توفير نظاما تعليميا مجانيا يحترم الإنسان وكرامته. من المهم أن تقوم الدولة بتوزيع الخدمات بالتساوي وبشكل عادل على جميع فئات المجتمع وتضع نظاما ضريبياً يتمثل فلسفته في توزيع الأعباء الضريبية على كافة شرائح المجتمع. فالمفروض أنه كلما زاد الربح تزيد نسبة الضريبة وحصة الدولة من ذلك الربح.
حيث يسعى رواد العدالة الاجتماعية إلى تقليل هوة الفقر وتخفيف عدم المساواة عن طريق وضع سياسات اقتصادية واجتماعية ناجعة، فنحن نعلم أنّ العالم لن يكون مثاليا يوما ما ولكنه باستطاعتنا أن نجعله أقل ظلما وإجحافا على الضعفاء من الناس. كما يعد مفهوم العدالة الاجتماعية وثيق الصلة بالنظرية السياسية، وإنّ غياب العدالة الاجتماعية سببه الفساد والاستبداد والاستعباد والقهر والظلم الاجتماعي. كما يعتبر غياب الضمان الاجتماعي في دولة معينة مؤشراً على غياب العدالة الاجتماعية في تلك الدولة.
لا شكّ أنّ العدالة الاجتماعية غائبة في عالمنا العربي اليوم، وتكاد لا تكون موجودة في أي بلد عربي، خاصة إذا نظرنا إلى مستوى الحريات وحقوق الإنسان العربي المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتحقيق العدالة الاجتماعية. وبالكاد يوجد طبقات وسطى، حيث يغرق معظم الناس في الفقر والجوع والبطالة، بينما تنعم الطبقة الحاكمة من سياسيين ورجال أعمال بالثراء الفاحش. ويشاهد شبابنا بحسرة تطبيق العدالة الاجتماعية في أوروبا والولايات المتحدة والعديد من الدول ويندبون حظهم ويبكون على وضعهم ويهاجر من يستطيع منهم إلى تلك البلدان التي تنعم بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
كما يشاهدون كيف يعيش أصدقاءهم وأقرباءهم في أوروبا وكيف يحصلون على مخصصات البطالة ومخصصات الأمومة والأطفال وكل دعم حكومي للفئات المهمشة بكل سهولة ويسر وبشكل أوتوماتيكي بدون واسطة ومحسوبية ورشاوي وبدون الوقوف بالساعات على الطوابير من أجل السلع المدعومة. لذلك كله، من حق شعوبنا العربية وشبابنا أن تستمر بانتفاضاتها وثوراتها السلمية وبالنضال بدون كلل أو ملل حتى الوصول إلى الحرية والديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية.