نسور بلا أجنحة

فرحات جنيدى | مصر

جلس الراوي فالتف حوله الناس فأشار إليها وقال : لقد جنت فهدمت بيتها وقتلت طفلها وحرقت زرعها وسدت عين البئر بجسد زوحها واستنجدت بغير الله فكفرت , غضب الناس فألقوها بالحجارة , فنهضت مفزوعة تصرخ كذاب , أمسكوا بها وأمام الراوي أجلسوها , فحدقت في وجهه , فانتفضت واقفة تصرخ كذاب , فصرخ الراوي فأحدث عاصفة أفزعت العصافير فوق الأشجار فطارت متفرقة , فهرول الناس إلى بيوتهم ومن خلف النوافذ  قذفوها بقذارات ألسنتهم , وقفت كالنخل شامخة , فعاود الراوي الصراخ فلم تهتز , فهجم عليها وتعلقت يداه في رقبتها , سقطت طرحتها فتطاير شعرها الأبيض فكسر ظلام الليل , فضحك الراوي ساخرًا , نظرت إليه في غضب ثم مدت يديها والتقطت طرحتها وغطت شعرها الأبيض فانتصب ظهرها فنظرت إليه في كبرياء , ارتعب الراوي فأقطر على نفسه ثم ضحك ثم قهقه محاولا إخفاء خوفه , تقدمت نحوه فتراجع خطوات مسرعًا , فأسرعت حتى اقتربت منه أكثر ثم بصقت في وجهه , فنكس رأسه، فاستدارت ومضت تجرى وسط الحقول تجمع بقايا ريش العصافير ، نهض الراوي ممسكًا بسكين وأسرع خلفها فاردًا ذراعيه حتى اقترب منها فطعنها في ظهرها وبيده الأخرى طوق رقبتها .

صرخت إخوتى .

ضحك الراوي باعوكى فى العلن ودفعوا لى الثمن ومن تبقى منهم لن يستطيعوا أن ينقذوكى .

 أبنائى .

مثلهم مثل العصافير هاجروا أعشاشهم بعد أن هُدمت بيوتهم  وذُبحت أطفالهم ولونت دمائهم ماء النهر .

أبنائى .

من تبقى منهم لن يستطيع أن ينقذكى فهم عبيد متفرقين أو أسرى خلف القضبان مجتمعين .

صرخت أبنائى نسور لا ترهبهم صرخاتك .

صرخ سمائك سوداء مغيمة وأرضك موحلة فاستسلمى .

صرخت ودموع الفزع تشق وجديها وتضع الألم والحزن والدهشة على وجوه الواقفين خلف النوافذ وقالت : لقد جاءت إلى نهاية طريقك وستشرق الشمس فتذيب غيوم الكذب فتمطر الحقيقة فتنبت الأرض خير .

ضحك : سيكون خيرها لي .

صرخت : ستعود العصافير ومن خلفها جيوش من النسور حاملين أحجار الجبال وعظام الشهداء  سيطاردونك ويثأرون منك .

ارتعش الراوي بعدما سمع صراخًا قادمًا من بعيد يقترب منه ومن خلفه صوت أقدام يعلو فيعلو حتى اهتزت له الأرض , ارتجف قلبه وتاهوت قوته ففك يده عن رقبتها ونزع السكين  من ظهرها ثم استدار محاولا طعنها في قلبها قبل أن يهرب، أمسكت بيده وفي قلبه غرزت سكينه فسقط في الوحل فمسحت حذائها في ثوبه فتطايرت العصافير فوق رأسها، فهلل من هم خلف النوافذ فنظرت إليهم في كبرياء واستدارت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى