هوامش على خطاب السيد القائد بمناسبة الذكرى السادسة للصمود
إبراهيم محمد الهمداني | اليمن
مما لا شك فيه أن محاولات مقاربة الكمال، اتكاءً على مدركات الحواس المحدودة، أو اعتماداً على طروحات معرفية قاصرة، يعد ضربا من الانتحار، والفشل المسبق، لأن تلك المقاربة – في أحسن أحوالها – لن تستطيع بلوغ أهدافها، والخروج بصورة واضحة، ورؤية تكاملية، ولو في أدنى مستوياتها، وذلك هو الحال بالنسبة للمحاولات التي تتغيا مقاربة خطابات وكلمات، السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله، لأنها غير الخطابات السياسية المألوفة والسائدة، التي تسير في نسق معين، وتلتزم خطاً رؤيويا واحداً؛ سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا أو غير ذلك، بهدف تكريس وجهة نظر معينة، أو نيل مكسب سياسي آني، حيث يتميز خطاب السيد القائد، بكونه خطابا ينير العقول، ويشفي النفوس، ويقيم الحجة، ويمزج بين الحقيقة الواقعية، بالدليل المنطقي المجرد، ليصبح بعد ذلك الاقتناع، نتيجة طبيعية لخطاب ذي رؤية إنسانية شاملة، يشترط الإقناع، ويرفض الاستعلاء بعمى الأتباع، ونظراً لمرجعيته المثالية، وانطلاقه من منطلقات دينية إنسانية وقيمية عامة، فإن مقاربته تتطلب وعيا وبصيرة وحكمة وثقافة عالية، وإلماما واسعا، بما يمكن القارئ – في أقصى قدراته التحليلية – مجاراة الخطاب، والإحاطة ببعض تفاصيله، والإلمام بجزء من مجمله، لأن الوصول إلى مستوى القراءة التحليلية التكاملية، يتطلب قدرا عاليا من الكفاءة الثقافية، والقدرة التعبيرية، لأننا أمام خطاب قائد رباني، وهبه الله بصيرة نافذة، ووعيا كبيرا، وفصاحة وبلاغة وبيانا، وحكمة وفصل الخطاب، فامتلك القدرة على تكوين الرؤية الشاملة، وتميز بحضور آسر، وإطلالة بهية، وكاريزما قوية، وغيرها من الصفات المثالية، والمؤهلات التي قلما توفرت كلها، في غيره من الشخصيات القيادية عبر التاريخ.
ولهذا فإني لا أجد غضاضة في الاعتراف المسبق، بالقصور الكامن في مقاربتي لخطاب السيد القائد حفظه الله ورعاه، الخاص بهذه المناسبة – الذكرى السادسة للصمود – بما تحمله من دلالات على المستوى الزمني، في بعديه التراكمي والآني، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإنساني عموما، فقد استطاع هذا الخطاب من خلال سياقه التاريخي، ومضامينه الإنسانية البحتة، الإلمام والإحاطة بكل تلك الأبعاد الدلالية، في مستوياتها التكاملية المتعددة، ليرسم بذلك خطاباً إنسانياً قيميا وأخلاقيا، خاليا من لغة التهديد والوعيد، ونبرة التعالي والغرور، وبعيدا عن تسويق الوهم، واستغلال ما تحقق من انتصارات – رغم عظمتها – في الترويج لشخص معين، أو فئة بعينها، أو مكون بذاته، أو حتى لشخص السيد القائد نفسه، الذي آلى على نفسه إلا أن يكون واحدا من المجاهدين، رغم عظمة موقعه الجهادي، وخطورة دوره القيادي، وفاعليته الرئيسة في صنع الانتصارات الميدانية، وإحداث التغيرات السياسية الإقليمية والعالمية، ورغم ذلك وغيره، إلا أن هذا القائد العلم المجاهد، قد توجه بالشكر والامتنان والتقدير، لكل الأحرار من أبناء الشعب اليمني عامة، وأبطال الجيش واللجان الشعبية خاصة، ومكون أنصار الله على وجه الخصوص، بكل تواضع ونكران ذات.
وكما هي عادة أئمة الحق وأعلام الهدى، في التحلي بالتواضع ومكارم الأخلاق، والحرص على هداية الناس، وإعادتهم إلى جادة الصواب، فقد وجه خطابه – وهو في موقع المنتصر – إلى تحالف العدوان المهزوم، بتواضع كبير، يدل على عظمته، ناصحا بضرورة إيقاف عدوانهم وحصارهم، في أسرع وقت، ومحذرا من مغبة الاستمرار في الإثم، والتمادي في الإجرام، مؤكداً أن العواقب ستكون وخيمة، على دول تحالف العدوان، ومن يقف خلفهم من دول الاستكبار العالمي، وبذات المنطق القرآني، في أسلوب خطابه المستكبرين، ومقارعتهم وإفحامهم، بالحجج الدامغة، التي لا يملكون أمامها، إلا أعلان هزيمتهم، والاعتراف بضلالهم، وجه السيد القائد – حفظه الله – إلى دول تحالف العدوان، تساؤلا مزلزلا، مستفهما عن ما الذي حققته حربهم وعدوانهم على اليمن، على مدى ست سنوات؟، وهو تساؤل يجعلهم يتجرعون مرارة الهزيمة بصمت، ويتلقون الضربات الموجعة، والصفعات المتكررة، دون أن تنبس شفاههم بآهة ألم، ويعاقرون الخسران والذل والخزي والعار كل يوم، دون أن تند عنهم صرخة استغاثة، ولذلك ليس أمامهم إلا إعلان هزيمتهم، ماداموا ملزمين بالإجابة عن السؤال، في إطار احتمالين اثنين، لا ثالث لهما؛ فأما أن يكون عدوانهم قد حقق أهدافه، وهنا يجب عليهم وقف عدوانهم وحصارهم فوراً، كما طلب منهم السيد القائد، ولأن أيَّاً من أهدافهم المعلنة، لم يتحقق، فإن إيقاف الحرب يعني هزيمتهم بكل المقاييس، وأما أن يكون عدوانهم قد عجز – على مدى ست سنوات – عن بلوغ أهدافه، وهنا يمكن القول: إن ذلك العجز، بحد ذاته، يعد هزيمة نكراء مدوية، لتحالف بذلك الحجم من التسليح والتمويل والتخطيط، وغير ذلك من الإمكانات الهائلة، التي يمتلكها، على كافة المستويات، خاصة وأن الهزيمة لم تقف عند أدنى مستوياتها، المتمثلة في الحيلولة دون تقدم هذا التحالف، ومنعه من احتلال المزيد من الأرض اليمنية، بل ودحره من مساحات شاسعة منها، وعلاوة على ذلك، تدرجت مستويات الهزيمة، التي ألحقها أبطال الجيش واللجان الشعبية، بجحافل التحالف الإجرامي العالمي، من المقاومة والممانعة وصد الزحوفات، إلى الهجوم المعاكس، والسيطرة على الكثير من المواقع، ثم انتهاج استراتيجية الرد والردع، لتتوالى عمليات الردع، في مسار تصاعدي، تطورت معه أسلحته وتقنياته، في زمن قياسي، لتصل في الوقت الراهن، إلى الصواريخ المجنحة المتطورة، والطائرات المسيرة، التي يصل مداها إلى 2500 كم، أي إلى ما بعد بعد الرياض، كما قال السيد القائد حفظه الله ورعاه.
إضافة إلى ما حمله هذا الخطاب التاريخي، من أبعاد أخلاقية وإنسانية، حرص السيد القائد على وضع العدوان على اليمن، في مساراته الثلاثة، التي لا يجب ان يخرج عنها، وهي كالتالي:-
المسار الأول:-
تحدث فيه عن جرائم العدوان العالمي، على جميع أبناء الشعب اليمني، دون استثناء، التي لم تقف عند حد، ولم يترك العدوان، فيها وسيلة إلا واستخدمها، إمعانا في إجرامه ووحشيته وعدوانه، وتأكيدا على خلو بنك أهدافه، إلا من المزيد من القتل والتوحش، وممارسة عمليات إبادة جماعية، بحق شعب بأكمله.
المسار الثاني:-
تحدث فيه عن صمود واستبسال الأحرار الشرفاء، من أبناء الشعب اليمني، وثباتهم في مواجهة قوى الطغيان والاستكبار، وما يقدمونه من تضحيات، من أجل الحفاظ على الحرية والكرامة والاستقلال، وما يجودون به، من قوافل العطاء العظيم، وبذل النفوس والأموال، ليرسموا بالشهادة، أيقونة الصمود والثبات والعطاء الأبدي، مشيدا بما تحقق، على مدى ست سنوات، من إنجازات عظيمة، سواء في الجانب الأمني الداخلي، أو في الجانب الميداني في الجبهات، أو في جانب التصنيع العسكري والطيران المسير، أو في الجانب التنموي، والاكتفاء الذاتي، أو في جانب الزكاة والتكافل الاجتماعي، وغير ذلك من الجوانب، التي تعكس صورا مشرقة، من الصمود والتحدي والمواجهة، والرد والردع، وصولا إلى وضع مداميك النصر الكبير، بعون الله وحوله وقوته.
المسار الثالث:-
التذكير بالإطار المفاهيمي للعدوان، الذي يجب التعاطي مع مستجدات التفاوض والحلول المقترحة والمبادرات، بناء عليه، ووفقا لمحدداته، ومن الخطأ النظر إلى هذا العدوان، خارج سياقاته الوظيفية والمرجعية والجغرافية، فهو في طبيعته عدوان، تحالفت فيه كل قوى الاستكبار والإجرام العالمي، من الغرب وأوروبا على السواء، وبإعلانه من واشنطن، فقد لعبت أمريكا الإمبريالية، مرجعيته الأولى، بالإضافة إلى إسرائيل وبريطانيا وفرنسا وغيرها، في جانب التسليح، وتقديم المعلومات الاستخباراتية، والخدمات اللوجستية، والمشاركة العسكرية على الأرض، وقامت دول النفط الخليجي بتمويل ذلك العدوان، وتزعمت قيادته المملكة العربية السعودية، وبجانبها الإمارات والبحرين، ومن في حلفهم، وهؤلاء ليسوا أكثر من كيانات وظيفية، تعمل لخدمة مصالح ومشاريع أمريكا والكيان الصهيوني في المنطقة، بالإضافة إلى من يخدم وينفذ أجندة تلك الكيانات الوظيفية، من عملاء ومرتزقة الداخل، سواء الموالين للسعودية، أو الموالين للإمارات.
ولذلك يمكن القول إن هذا العدوان، من حيث طبيعته أو ماهيته، هو عدوان عالمي ظالم، لا يستند إلى أي سند قانوني، أو عرف اجتماعي، أو شبه سند يشرعن كينونته، ويوجب حدوثه، بتلك الصيغة العدوانية الإجرامية، بحق شعب يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، ووسائل البقاء، حيث تتهدده مخاطر المجاعة والفقر والأمراض الفتاكة.
وأما مصدر العدوان، فهو الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وحلفائهم من دول الاستكبار العالمي، وينفذه تحالف إجرامي بزعامة السعودية وأخواتها، علاوة على الالتزام بكلفة تمويله، ويشارك في التنفيذ، عملاء ومرتزقة من الداخل اليمني.
وأما وظيفته، فهي استعمارية خالصة، تهدف إلى سلب شعبنا حريته واستقلاله وسيادته، وجعله تابعا رخيصا، تحكمه السفارات، وتهيمن عليه، وتتقاسم خيراته وثرواته القوى الاستعمارية، ولذلك فإن كل مبادرة أو حل، لا يضع في أولوياته، إيقاف العدوان ورفع الحصار، أولا وقبل كل شيئ، فهو حل ناقص، كما أن أي مبادرة تتجاهل كون أمريكا والسعودية، طرفا في العدوان، لا يمكن أن تقدم حلا حقيقيا مرضيا، كما أن تحويل العدوان عن وجهته الغعلية، إلى الداخل المحلي، وتوصيفه بأنه صراع يمني يمني، أمر يزيد الوضع تعقيدا، ويجعل الوصول إلى حل أمرا مستحيلا، كون مرتزقة الداخل، لا يملكون من أمرهم شيئا، ولا يتحركون قيد أنملة، إلا بتوجيهات سعودية أو إماراتية، كما يؤكد السيد القائد، خطورة مساومة الشعب اليمني، بحقوقه الإنسانية، المكفولة في كل الشرائع والقوانين، ومواثيق الأمم المتحدة، في الحصول على متطلبات الحياة الضرورية، من غذاء ودواء وغيرها، وجعلها ضمن مبادرات الحل المقدمة، في مغالطة واضحة، تسعى لتحقيق ما عجز عنه العدوان عسكريا، من خلال المفاوضات والمبادرات والحلول الترقيعية، وفي هذا السياق يؤكد السيد القائد حفظه الله، على حق الشعب اليمني، المكفول شرعا وقانونا، في الدفاع عن النفس، متوعدا بتوجيه أقسى الضربات الموجعة، إلى عمق كيانات العدوان، ومبشرا بتطور كبير في التصنيع العسكري، واستمرار عمليات الردع، حتى يتوقف العدوان، وتنصاع أطرافه إلى السلام المشرف.
ترى ما الذي يجعل تحالف العدوان الصهيوسعوأمريكي، يصر على استمرار الحل العسكري في اليمن، رغم فشله الواضح؟ ، وما هي رهانات تحالف العدوان، بعد ست سنوات من الهزائم المنكرة، مقابل تصاعد وتنامي قوة الردع اليمنية؟، وأي مستقبل ينظر المملكة العربية السعودية وأخواتها، بعد تخلي راعيها الأمريكي عنها، وتنصله عن اتفاقية الحماية؟، وبما أن سيناريو حرب آبار النفط، يعد أحد أهم السيناريوهات المتوقعة، لمسار الصراع مستقبلاً، ترى ما الذي سيحدث لو اتسعت حرب النفط، متجاوزة اليمن والسعودية، لتشمل محور المقاومة، مقابل محور الاستكبار، وكيف يمكن قراءة مستقبل الاقتصاد العالمي؟، وأي المحورين سيكون المتضرر أكثر؟! وإذا ما علمنا أن استراتيجية حروب الطيران المسير، هي استراتيجية مقترحة مستقبلاً، كيف يمكن قراءة معادلة الصراع تلك، خاصة في ظل عجز أحدث أنظمة الدفاع الأمريكية (الباتريوت) عن رصد وإسقاط الطائرات المسيرة اليمنية، مقابل تمكن الطرف اليمني، من إسقاط أحدث الطائرات الأمريكية المسيرة؟!