قراءة في نص الفلسطينية وجدان خضور ” وجع المسافات وخواء الجواب “

سي مختار حمري | المغرب

صحر الزمان في متاهة المكان 

خلاصة مركزة للقراءة النقدية
المكان سجن محكم التسييج سياجاته تتمطط لحواجز لتبدو المسافات على قصرها لامتناهية الطول متاهات دائرية ، خطية، يفقد معها المرء بوصلة المكان ، يدخل دوامة دوار ووجع الى درجة يتقيأ معدته ومعها امعاؤه في مواجهة تغول وحش الإنتظار… تتفرع الطريق القصيرة إلى دروب غير سالكة ومتاهات تؤذي ذهابا وأيابا الى جحيم المكان أمام غياب أي جواب لماذا كل هذا؟ لماذا طالت مواجهة الإنتظار كل هذا الزمان على تخوم الحواجز والهاوية والمجهول؟ ..قد لايعود الإنسان من رحلته الصغيرة -الطويلة ..!! – إلى ما لا نهاية ميتا أوحيا قد يختفي في نفق الظلام المعد بإحكام من طرف وحش متغول بأنيابه الحديدية الصدئة ومركباته وبنادقه المتمترس وراء اسواره الحديدية ولواقطه التي تتربص كالحيوان لتنقض على الفريسة ..
يتحول الزمان إلى رمال صحراوية جافة حارقة إلى عمر بالكامل في حالة إنتظار دائم إلى الذي يأتي ولا يأتي الى طفولة يسكنها الحزن إلى زمن ونيف من الركون إلى عشب الكلمات حيث ينمو بعض الأمل والحلم، ورغم التذثر بخرقة الدراويش الصوفيين والإستغناء عن كل ملذات الحياة والإكتفاء بالضروريات منها والعيش في الزمن الجاف المتصحر فان القنوط لم يغادر القلوب لأنه لم تسد لا شريعة السماء ولا قيم الإنسانية الإرضية إضافة إلى مواجهة فكر ظلامي يغيب الحقائق ويسدل ستار الظلام على الواقع المعاش ويجهض الأمل والأحلام ويمتهن السفسطة لمغالطة الشعب واسكات المتنورين منه .. سادت ثورة الشك في كل شيء وعمت جميع النواحي داخليا لتصل مداها الاقصى لتشمل كل العالم وقيمه المزيفة وتتم المطابقة بين الكوجيطو الديكارتي ” انا أفكر إذا أنا موجود” ليتم إسقاطها على وطن صار ينادي بها لأنه يعيش أزمة وجود حقيقية … الناس تعبوا من الإنتظار لزمن ونيف وقبلوا العيش في عشب الكلمات حيث لازالت هناك فسحة للحلم والأمل لكن حتي على هذا المستوى هبت ريح السفسطة لتجهض كل الأحلام والأمل ليرفع شأن التحوت (سافلة وانذال القوم )على حساب أشرف وأرفع الناس (الوعول)
وترى الشاعرة أنه من أوجب واجبات الأمهات اعطاء الاسبقية لتربية الأجيال واتخادها كفريضة ملزمة بتلقين النشىء القيم الوطنية العليا والأ يغرهن شأن النوافل التي قد تعني الكماليات من مساحيق لن تصمد امام نوائب الزمن وما يخفي القدر خيره وشره لهذا الوطن السليب .. وما الحياة الدنيا الا لهو وعبث في زمن أصقاع وطن على ابواب الانفجار من شدة الضغوط الممارسة علي احياءه ، اسراه وشهداءه .. تدعو الشاعرة الى نبذ كل ما من شأنه ان يؤذي الى التفرقة والالتفاف لتوحيد الكلمة وتجاوز كل المغالطات فلن يصح الا الصحيح في نهاية المطاف…..

تأويل النص:
1–العنوان:  وجع المسافات//خواء الجواب
وجع المسافات:المسافة توجع في حالتين إما بوجود حواجز تصعّب التنقل أو لطولها وعدم توفر وسيلة نقل ملاءمة , قد يكون السبب الأول هو الأصح لكن إن ترجمنا المسافة إلى مكان قد نفهم أمرين آخرين إما أن المكان يضيق إلى مستوي لا يطاق ليصبح سجنا ..أو يصبح متاهة سواء دائرية والأخطر خطية أي عندما نفقد البوصلة ومعها القدرة على التوجه التموقع أو التموضع
خلاصة : نصل في الحالة المعروضة أمامنا إلى أن مرد وجع المسافة يعود إلى ضيق وصغر مساحة التنقل ،سجن كبير، وإلى كثرة الحواجز، قد يكون السببين الآخرين واردين لكن ربما بشكل أقل حدة اعني تحول المكان الى متاهة المتاهات والى طول المسافة وقصر ذات اليد…
خواء الجواب : جواب ماذا؟ اظنه جواب لوجع المسافات ..لماذا المكان هكذا ؟ الجواب خواء فراغ في فراغ اي ”الكاوس” اللامعنى لاجواب وليس في أفق المنظومة الفكرية أو نظام معين مرتب ليجيب عن هكذا سؤال هناك فوضى عارمة في احتمالات الأجوبة …

2– تأويل النص:
كناسك في محراب العمر
اتبتل على رمال الوقت بما انتفضت به النياط حزنا
وكأن السماء في اجازة
وكأن الأرض تئن بي
كشخص يعيش في عزلة وتقشف وزهد في ملذات الحياة كدرويش بالمعنى الصوفي منقطع للعبادة على رمال الزمن ، يتم تشبيه الزمن بالصحراء يعني زمن جاف متصحر نسبة لورود كلمة رمال وهذا الإنقطاع والتعبد يصاحبه ما انتفضت به القلوب من حزن وكأن السماء في إجازة , لم يعد العمل جاريا بالتعاليم الدينية وكأن الإنسان صار في حل مما تدعو له الديانات من رحمة وتعاطف وتآزر…
والأرض ماعادت تحمل الإنسان بل صارت تئن تحت ثقله.. المشكل ليس في الأرض لكن في سلوك الإنسان مع أخيه في الإنسانية وما يدخل في اطار العلاقات الأرضية بغض النظر عن الشرائع السماوية قد نفهم من هذه الفقرة أنه رغم التضحيات الجسام التي قدمت والتي لا يقدر على الإتيان بمثلها إلا النساك ورغم الانقطاع كليا لخدمة الوطن ورغم كل المكابدات والتضحيات الجسام النتيجة مخيبة للأمل فلا شريعة الأديان ولا العلقات الإنسانية الكونية اعتمدت لتخفف الاوجاع مما جعل الأرض تضيق وتئن تحت ثقل الإنسان….
هناك الحجب الظلامية
تقسم لنا فتاتا
وتنأى باحلامنا
وتوقد فينا
بذرة السفسطة
هناك ستائر من الظلام تحجب الحقيقة أو فكر معين يغيّب الحقيقة وما يجري في الواقع ويحولها الى مجرد ضباب وغيوم ويأخذ الكعكة ويقسم على العامة الفتات ويجعل الأحلام تبتعد وتصاب باليتم .. هذا سيخلق الفرقة بين مكونات المجتمع الذي سيجزء ويتشظى و يشعل بذرة السفسطة وهي تاخذ في معناها العام تسويق الأوهام لإسكات عامة الشعب والمتنورين فيه بتقديم حكمة مموهة والتلاعب بالأفاظ لطمس الحقائق وتجنب الإجابة عن الاسئلة الحارقة…وامتطاء الانتهازية والوصولية والشوفينية خيلا وسكنا … لم يزل نبضنا يعزف الشرايين مع جوقة الامل في مسرح الظلام، ورغم كل الوجع والألم وتسلط الفكر الظلامي الكهفي الذي يريد للعامة أن يبقوا خارج مجال الأنوار والتنوير منبطحين مصفقين للتفاهات ورغم انسداد الأفاق وفشل المسارات إلا أن القلوب لم يستوطنها اليأس ولم تصب في مقتل إنها لا زلت تعزف لحن الأمل والأحلام
هي العودة بخفي حنين
هي ثورة الشك
تهطل من سحاب القنوط
وتغرس في المدى المنظور
ريب هذا العالم
هذه المسارات المتبعة أصبحت عبثية , لاتجدي نفعا ويعبر عنها بالعودة بخفي حنين لا مكاسب من ورائها…هذا أدى الى ولادة ثورة الشك لدى المواطن و يذكرنا بالكوجيطو الديكارتي ” أنا أفكر إذا أنا موجود” تبنّي فلسفة الشك في كل شيء , ثورة الشك في الوجود ليتحقق وجود الأنا (=الوطن ) ومصدر الشك في الوجود ناجم عن ما تم ذكره من تلاعبات بمصير الوطن وهذا القنوط الذي ران على الشعب من الحلول المتوعد بها ومن عبثية المسارات التفاوضية …والشك لم يعد محصورا فقط في الأقربين بل توسع ليشمل العالم كله ماعادت هناك ثقة في أحد هي ثورة شك بكل المعاني وفي كل شيء طريقا للبحث عن يقين يشفي الغليل ….
فنحن منذ زمن ونيف ننتظر ونرتمي بين عشب الكلمات النابت فيها
زهرالحلم ..نسقيه ونعتني به
فتاتي رياح السفسطة لتذره في وجه الواقع دون ان يعقد حتى برعمه
انا ماهنت مذ كنت …
ولكن القدر …
اثر…
رفع التحوت …
ونصب الضجر..
ملكا ….
تعبر الشاعرة عن أن الإنتظار طال أمده زمنا طويلا وتعب الناس من جراء ذلك ولكن رغم ذلك قبلوا العيش في الإنتظارية وفي عشب الكلمات ، في الخطابات و الابداعات حيت هناك مساحة للحلم بأن الوضع سيتغير إلى أحسن وأفضل ويتم العمل على إشاعة هذا الفكر المتفاءل لرفع منسوب الصمود ..حتى هذا المستوى الفكري الإبداعي هبت عليه رياح السفسطة اي المغالطات لتذره رمادا وهو في المرحلة الجنينية ..ولم يُعط أي اعتبار لشعب ما تهاون يوما في تقديم التضحيات ومنذ البداية ومن امد طويل ، لكن مشيئة الله في قضائه وقدره لا مرد لها …ارتفعت الى القمة سافلة القوم ، من ينعثون بالتحوت على حساب شرفاء القوم (العدول ) وكانت النتيجة أن نُصّب الملل والضجر ملكا …
هناك على اعتاب نظراتي
لوم طفل حرمته امه الرضاع .. فاكتسى عمره حزنا
فهل نافلتي ضيعت فريضتها ؟
بنظرة قريبة البعد ترى الشاعرة الشباب يكتسي عمرهم أو زمانهم الحزن والأسى لأنهم لم يتلقوا تربية كافية’ في الوطنية لأن الأمهات المسؤولات عن تربية الاجيال اخلفن الالتزام بالواجب الذي تعتبره فريضة لصالح النافلة أي أن الأشياء البسيطة المرتبطة بالحياة الشخصية طغت كاختيارعلى مكانة الوطن السليب في التربية ….
لذلك لم يزهر نسكي
وخبا تبتلي
التفريط في تربية النشىء تربية وطنية ، التراجع عن المثل الوطنية العليا …هو السبب الذي جعل النسك لا يزهر .. فالانقطاع لخدمة الوطن وتوعية الشعب ، تنظيم الصفوف وتوحيد الكلمة لم يؤت أكله … لأن المشكل يكمن في تربية الأجيال للنهوض بالواجبات …
سأحمل عيدان شجري المقطوع واحرقها شررا
أمام هذا الظلام المدقع بالحرمان
وختاما ترى الشاعرة أنه من الواجب تجاوز الخلافات وكل مايفرق ويضعف الجبهة الداخلية التي تراها شجرة قطعت اغصان منها وتحولت الى عيدان أصابها اليباس و حان الوقت لحرق كل مايفرق ليضيء شدة ظلام الحرمان ….

النص الشعري : وجدان خضور من فلسطين

وجع المسافات وخواء الجواب

كناسك في محراب العمر..
أتبتل على رمال الوقت بما انتفضت به النياط حزنا ..

وكأن السماء في إجازه ..
.وكأن الارض تئن بي..

هناك الحجب الظلامية …
تقسم لنا فتاتا …
وتنأى باحلامنا اليتيمه …
وتوقد فينا …
بذرة السفسطه…

لم يزل نبضنا يعزف الشرايين مع جوقة الأمل ..في مسرح الظلام ..

هي العودة بخفيّْ حُنين
هي ثورة الشك ….
تهطل من سحاب القنوط ..
وتغرس في المدى المنظور …
ريب هذا العالم…

فنحن منذ زمن ونيف ننتظر ونرتمي بين عشب الكلمات النابت فيها زهر الحلم…
نسقيه ونعتني فيه…
فتأتي رياح السفسطة لتذره في وجه الواقع دون أن يعقد حتى برعمه..

انا ما هنت مذ كنت …
ولكن القدر …
اثر ….
رفع التحوت …
ونصب الضجر …
ملكا ..

هناك على اعتاب نظراتي ….
لوم طفل حرمته أمه الرضاع…فاكتسى عمره حزنا!! ..

فهل نافلتي ضيعت فريضتها؟

لذلك لم يزهر نسكي…
وخبا تبتلي!! …

سأحمل اغصان شجري المقطوعة وأحرقها شررا أمام هذا الظلام المدقع بالحرمان ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى