قبل أن أرحل

د. عاطف الدرابسة | الأردن
قلتُ لها :
قبلَ أن أُسافرَ في موجة
سأتركُ بعضي في عينيكِ
أمانةً وذكرى
وأحملُ معي جمرةً باردة
قطفتُها ذاتَ شتاءٍ
من مدفأة ..
سأرتدي عباءةً بيضاء
نسجتها أُمِّي من الأصيلِ
وطرَّزتها بهديلِ الحَمَامِ
والضُّوء ..
قبلَ أن أُسافرَ كسُنبُلة
سأتركُ لكِ برتقالتَينِ
قطفتُهما ذاتَ ليلةٍ حمراءَ
من نهديكِ
وأتركُ على سريركِ الدَّافئِ
حبَّتينِ من كرز
استعرتُهما من شفتيكِ ..
قبلَ أن أُسافرَ في سفينةِ الشَّكِّ
سأسبرُ أعماقَ عمري
وأقفُ عند رمادِ السِّنين
أبحثُ عن اليقينِ
وأُطلقُ سراحَ الكلامِ
وأُحرِّرُ عقلي المحاصرُ
بين اليسارِ واليمين ..
قبلَ أن أُسافرَ كدمعة
سأعتذرُ من عينيكِ
وأجلسُ ناكسَ البصرِ
بين يديكِ
أبكي على ما أضعتُ من العمرِ
وأنا أتقلَّبُ كأهلِ الكهفِ
مرَّةً على جهةِ الشَّمالِ
ومرَّةً على جهةِ اليمين ..
قبلَ أن أُسافرَ في خمرِ الرِّضاب
سأبكي أمسيَ المهجور
سأرثي حاضري الموبوء
وأنعى غداً لن يأتي
فأنا يا حبيبةُ
منذ أن كنتُ نطفةً
مجهولَ النَّسبِ
مفصولَ الجذور ..
قبلَ أن أُسافرَ في صخرة
سأدعو إلى مائدتي
فراشاتِ الضُّوء
ليحمِلنَ عن كاهلي صخرةً
في أحشائِها ناقةٌ صفراء
وعرقٌ قانٍ
ودمٌ حالكٌ
وليلٌ ذِئبيُّ العينينِ
وعقابٌ منتوفُ الرِّيشِ
وخوفٌ أزليٌّ
ومرضٌ عنيدٌ
وعتمٌ يُطاردُ ضوئي
ويدٌ كفيفةٌ
وبقايا من غربةِ الذَّات
فهل تحملُ الفراشةُ صخرة ؟
قبلَ أن أُسافرَ في شمعة
سأتركُ الكتابَ مفتوحاً
سأنزعُ منه آخرَ صفحة
فيها آخرُ قصيدة
كتبتُها عن آخرِ ليلةٍ معكِ
وأمضي أقطعُ المنافي
كطريد
كآخرِ الصَّعاليكِ
لا قنديلَ يشقُّ عتمَ الطَّريق
ولا نجمة ..
سأمضي وحيداً
أخلعُ عن كاهلي اليمينِ شعلة
وعن كاهلي اليسارِ ثورة
فقد أدركتُ بعد هذا العمرِ
أنَّ الرِّيحَ الظَّالمةَ
لا ترحمُ شمعة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى