رئيس الحكومة السورية فارس الخوري (عام 1947) يتحدى فرنسا في الأمم المتحدة

نبيل عودة | الناصرة – فلسطين

nabiloudeh@gmail.com

عبرة من التاريخ للناصرة وكل أبناء شعبنا

قرأت مادة رائعة عن فارس الخوري الذي كان رئيسا للحكومة السورية وحقق استقلال سوريا الكامل وانسحاب الانتداب الفرنسي عن الأرض السورية. مما ذكرني ايضا باحتفالات الناصرة بعيد البشارة (آخر احتفال كان في 25-03 – 2021)، وبالمناسبة كان رئيس بلدية الناصرة علي سلام قد قرر قبل سنوات قليلة اعتبار عيد البشارة عيدا نصراويا بلفتة إنسانية هامة جدا، يعيد فيها للناصرة أحد أهم أعيادها التي كانت وما زالت توحد الناصرة، وتحمل ذكريات لا تنسى ولا يمكن ان تمحى من تاريخ مدينتنا وتقاليدها وتآخي مواطنيها من كل طوائفهم.

كانت تعقد دبكة في ساحة كنيسة البشارة يشارك بها المئات من كل الطوائف وكيف لا والناصرة بلد التفاهم والمحبة. كان الاحتفال يتميز بشعبيته، تقوم حلقات الدبكة، والمميز الأكبر كان مشاركة سيافان من عائلة مزاوي النصراوية يرقصان بشكل فني بالسيوف لتصبح السحجة حولهما حلقة واسعة يشارك فيها اهل الناصرة مسلمين ومسيحيين كتفا الى كتف.. و(السحجة) التي بدأت كاحتفال ديني تتحول بدون مقدمات الى تظاهرة سياسية يطرح فيها المحتفلين هموم حياتهم ويعبرون عن غضبهم من الظلم والتمييز العنصري.

بدون مقدمات تنطلق الأهازيج الوطنية والزغاريد وتتحول الدبكة الى تظاهرة عفوية… كانت صفوف السحجة تمتد من ساحة كنيسة البشارة قرب العين حتى مدخل دير المطران.. ويرقص المحتفلون بعيد البشارة ويطلقون إغاثة للعذراء مريم سيدة البشارة:

يا عدرا يا أم المسيح ارفعي عنا التصاريح

ستي يا عدرا نجينا من الحكم العسكري خلصينا

يا عدرا احمينا احمينا احنا الك التجينا (أي التجأنا)

يا عدرا يا أم القدرة زتي العسكر لبرا

والشيء بالشيء يذكر: قرأت مادة عن رئيس الحكومة السورية عام 1946 م السيد فارس الخوري اعادتني لذكريات مدينتنا الحبيبة : مدينة الناصرة!!

كانت مناسبة لبحث الأمم المتحدة إنهاء الانتداب الفرنسي على سوريا. حسب طلب الحكومة السورية. دخل رئيس الحكومة السورية آنذاك فارس الخوري إلى مقر الأمم المتحدة، بطربوشه الأحمر وبزته البيضاء الانيقة.. للمشاركة بالاجتماع الذي طلبته سوريا من أجل رفع الانتداب الفرنسي.

اتجه مباشرة إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المخصص لفرنسا! وبدأ السفراء بالتوافد إلى مقر الأمم المتحدة بدون إخفاء دهشتهم من جلوس فارس بيك المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته، في المقعد المخصص للمندوب الفرنسي، تاركاً المقعد المخصص لسوريا فارغاً.؟!

دخل المندوب الفرنسي، ووجد فارس بيك يحتل مقعد فرنسا في الجلسة. فتوجه إليه وبدأ يخبره أن هذا المقعد مخصص لفرنسا ولهذا وضع أمامه علم فرنسا، وأشار له إلى مكان وجود مقعد سوريا مستدلاً عليه بعلم سوريا.

لكن فارس بيك لم يحرك ساكناً بل بقي ينظر إلى ساعته.. واستمر المندوب الفرنسي في محاولة إفهام فارس الخوري بأن الكرسي المخصص له في الجهة الأخرى، ولكن فارس الخوري استمر بالتحديق إلى ساعته، وبدأ صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ، واستخدم عبارات لاذعة واهتاج ولولا تدخل سفراء الأمم الأخرين بينه وبين عنق فارس لكان خنقه. وعند الدقيقة الخامسة والعشرين، تنحنح فارس بيك ووضع ساعته في جيبه،ووقف بابتسامة عريضة تعلو شفاهه.وقال للمندوب الفرنسي:

سعادة السفير، جلستُ على مقعدك لمدة خمس وعشرين دقيقة، فكدت تقتلني غضباً وحنقاً، وسوريا استحملت سفالة جنودكم خمس وعشرين سنة، وآن لها أن تستقل.. في تلك الجلسة عام 1947 م نالت سوريا استقلالها، وتم جلى آخر جندي فرنسي عن سوريا.. وكان فارس الخوري عدا كونه رئيس وزراء سورية منذ عام 1944م، وزيراً للأوقاف الإسلامية أيضا؛ وهو سوري مسيحي. فاعترض البعض من الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك، على تكليفه بملف الأوقاف الاسلامية. فخرج النائب عبد الحميد طباع ليتصدى للمعترضين قائلا: إننا نؤّمن فارس بك الخوري (المسيحي) على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا.

وكان الجنرال الفرنسي ﻏﻮﺭﻭ قد ابلغ فارس الخوري ﺃﻥ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺟﺎﺀﺕ ﺇﻟﻰ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﺴﻴﺤﻴﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻓﺎﺭﺱ ﺍﻟﺨﻮﺭﻱ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻗﺼﺪ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻷﻣﻮﻱ ﻓﻲ ﻳﻮﻡ ﺟﻤﻌﺔ ﻭﺻﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺒﺮﻩ ﻭﻗﺎﻝ: ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺗدّعي ﺃﻧﻬﺎ ﺍﺣﺘﻠﺖ ﺳﻮﺭﻳﺔ ﻟﺤﻤﺎﻳﺘﻨﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ،ﻓﺄﻧﺎ ﻛﻤﺴﻴﺤﻲ اعلن ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﺒﺮ “ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ” ﻓﺄﻗﺒﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺼﻠﻮ ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ ﺍﻷﻣﻮﻱ ﻭﺣﻤﻠﻮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻛﺘﺎﻑ ﻭﺧﺮﺟﻮﺍ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺣﻴﺎﺀ ﺩﻣﺸﻖ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻓﻲ ﻣﺸﻬﺪ ﻭﻃﻨﻲ ﺗﺬﻛﺮﺗﻪ ﺩﻣﺸﻖ ﻃﻮﻳﻼً ﻭﺧﺮﺝ ﺃﻫﺎﻟﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻴﻴﻦ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﺣﺎﺷﺪﺓ ﻣﻸﺕ ﺩﻣﺸﻖ ﻭﻫﻢ ﻳﻬﺘﻔﻮﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ.

كانوا أبناء وطن واحد بتنوع معتقادتهم مسلميين ومسيحيين ، كم يليق بنا هذا النموذج ان يكون نموذجا تحتذي به الناصرة بمسلميها ومسيحييها. ان الوطن هو اغلى ما يملك الانسان .. وعندما يكون الرجال رجالاً هكذا يتصرفون!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى