قراءة نقدية في نص أبو أشرف خفاجي (نحن نظيفون )

سي مختار حمري | المغرب

1– تقديم .خلاصة مركزة للقراءة النقدية:
في أول ملامسة للقصيدة اندهشت..هناك شيئ ما ..هناك سحر .. هناك ربما انبعاث للحضارة التليدة التي سادت بين النهرين في قصيدة شاعرنا شدني اليه بقوة ..هنا ربما ذلك الإنسان العراقي الذي كنا ننتظره كعرب على أحر من الجمر أن ينتفض وينفض عنه غبارالزمن الرديء ..قد لاح نجمه أخيرا في السماء بوضوح تام للعيان…
نحن أمام قصيدة عربية أصيلةالمنبع والفكرحداثية أو ”ما بعد حداثية ” وأفضل ما أقول بدون تجنيس ولا تحقيب بنت زمانها ولحظتها تحلق عاليا جدا أبدعها شاعر من العيار الثقيل يعرف بطريقة عفوية كيف يصوغ المعاني في صور شعرية توظف المجاز والإنزياح اللغوي في روعة الجمال الفتان
نحن أمام شاعر كبير بفكر عربي عميق أصيل المنبع واسع الثقافة والرؤية له تجربة كبيرة ورائدة ..شعره يصل إلى مدايات يصعب أن تحتوى في الإيمآت ،الغمزات أو اللمزات …كما سارت عليه العادة في تعليقات ”الفايس ” نحن أمام شاعر يستحق منا دراسة مستفيضة احتفاء بابداعاته الراقية هو من طينة بدر شاكر السياب لكنه ابن لحظته ويقول المثل من أين ذلك الغصن فيقال من تلك الشجرة وهذا بالطبع في باب الحداثة وماركز حولها .. شاعر له لغته الخاصة وطريقته الإبداعية الناضجة .. وبالتالي لقراءته نحتاج إلى رؤية تعلمت بالملموس كيف تستعمل فنية المرايا العاكسة لصور الخيال الخصب في مسيرتها من الواقع إلى الخيال وفي رحلة عودتها وقد شدبت صححت لتصبح قابلة للفهم والتطبيق نحتاج إلى مرايا من مختلف الأحجام والأشكال فلن تكفي مرآة الصوفية ، الفلسفة ، الفيزياء ، التاريخ ، الجغرافية أو الواقع بل نحتاج إلى إنسان عربي يعرف كيف يخترق الحواجز الأسوار السياجات ليصل الى ذلك العمق الذي لا بد أن يجمعنا يوما لأنه حقيقي وليس سرابا نعم هو عميق جدا بل أعمق من عميق بكثير لكن الوصول إليه ليس من سابع المستحيلات
ولذلك فقدرنا يحتم علينا ايجاد هؤلا الغواصين المهرة الجبابرة الذين يقهرون جرعات الأكسجين في الأعماق السحيقة التي لايسود فيها إلا الظلام المقتر حلكة
نحن أمام شاعر تشبع فكره من واقع اختلط فيه الحابل بالنابل واقع الفوضى الشاملة ”الكاوس”غمس مفرداته وابدع رؤيته من الظلم الأسود ،ظلم جبابرة الطغاة ،الأشلاء ، سيول الدماء الجارفة , دموع الضعفاء والأمهات الثكلى ، الشرف الملطخ ،الرصاص ، القصف العشواي سلاحا وكلاما ،أوساخ الاثريا الفاسدين , الأنبياء الحكماء الصادقين منهم وممتهني الكذب ففي زمننا ليس كل الأنبياء حكماء ، فكر عرف معنى الجنون ، معنى أن تصاب أمة بكاملها بالجنون ..ومع كل هذا الدمار ،الإنكسار،الإحباط ،القهر ، الجور ،التعب ،المعاناة والتسلط …لازال هذا الفكر يؤمن إلى جانب زمرة عربية أنه أمام كل هذا الوسخ وهذا العفن المنتشر النتن ”نحن نظيفون…” لن نستسلم هناك نساء نظيفات طاهرات كالورود هناك دماء شهداء الأمة ستزهر، هناك براءتنا من دماء قميص يوسف ، هناك شرفنا الذي لايعرف إلا محطة واحدة محطة الأمة ، ودونها زيف كذب وبهتان…
هناك كرمنا الذي يخجل بخل الاثرياء ، أحلامنا ، أزهارنا أوجاعنا ،أحزاننا الإنسانية ، مفكرونا , علماؤنا ،حكماؤنا ، عقولنا المهاجرة , مدننا الحبلى , ارحام نساءنا اللواتي سيلدنا الاقمار هناك ….وهناك ….و هناك ”نحن نظيفون… نحن البسطاء…نحن المساكين في شرف وعنفوان لا تنحني شمسنا إلا لرب العالمين…

2–العنوان : نحن نظيفون 
يتعلق الأمر بجملة اسمية ثابتة المعنى لكنها مع ذلك تثير العديد من الأسئلة :
نظيفون من ماذا؟ وتستدعي ضدها ..هناك آخرون وسخون .. اذا أصبحنا أمام ثنائية
نظيف // وسخ بأية نظافة يتعلق الأمر ؟ وبأية أوساخ ؟
سنقتحم تضاريس القصيدة ونحن ننتظر أن يتجلى لنا الأمر إما ظاهرا أو بالغوص وراء مايأبى الكشف عن نفسه ويحتاج إلى التأني والملاطفة والتأويل والنفس الطويل جريا وراء المعاني الهاربة والعصية عن الرصد.

3–قراءة تأويلية للنص:
نحن نظيفون….
كوردة هذه الإمراة ..تشير إلى العاشقين
كأنها تومىء للصبح القتيل
هنا الأنبياء ..سينتظرون أي إله
والمناديل النظيفة ستستعد للرحيل
كوردة للجسد المقطوع..للينبوع
للبراءة التي تقرأ جوع النائمين
نحن نظيفون كقلب هذه المرأة ،المشبه بأجمل وأطهر الأشياء وهي الوردة تشير بها إلى العاشقين بلطف وحنان ومحبة وتومىء دون أن تفصح حتى لا تفسد جمال اللحظة الى أن الاشراقة الممثلة في الصبح قد اغتيلت ..
هنا حيث نحن النظيفون سينتظر الأنبياء أي إله بغض النظر عن الديانة لا مجال للتفرقة..
توجد المنادل النظيفة لإزالة الأوساخ والعفن و تستعد لرحيلها لتعم النظافة كل أرجاء الوطن هنا حيت وردة الجسد المقطوع قد تعني أجساد شهداء الوطن التي تتحول إلى
أزهار حرية للشعب و أزهار المنابيع قد تعني المنابع الفكرية والعلمية الأصيلة التي تزهر اخلاقا وفكرا مبدعا يثمر ويثري ويغني..
هنا البراءة التي لاتحس فقظ بجوع اليقظين الأذكياء او الدهاة بل أيضا المغفلين ،الأغبياء والمتخلفين لا مجال لنسيان أحد الكل سواسية والكل يجب أن يشبع جوعه .. الوطن للكل ..براءة ذات بعد انساني حقيقي وعميق
اطلعي الليلة من شتات العمر
اعبري برد التماثيل
استميلي دموعي ..واطرقي شرف الومان
حديثنا عن دم يصقل خد المييتين
حديثنا عن تجاعيد شرف الزمان
اغمض عينيه الشرف
وانحلت الغيرة على رمال الضياع
شربت الاوطان من دمك ,,حد الثمالة
هنا تظهر في القصيدة الراوية ، الرواية و حقيقة الواقع ..ليطلب منها الشاعر أن تطلع ولو لليلة واحدة من شتات العمر لتحكي بلسان الحقيقة مايجري في البلاد من تشظي وتناحر وتنافر.. يطلب منها أن تنسى تشظي الزمن في هذا العمر الطويل من الأزمة وأن تخرق جدار الصمت الرهيب المتمثل في هؤلاء الناس الذين أصبحت قلوبهم شبيهة ببرودة قلوب التماثيل لا تحس ولا تتألم لرؤية المظالم والأوجاع وألم الإنسان الذي هو في ضيق شديد… يطلب منها أن تتكلم عن الشرف في هذا الزمن المنقضي أو الحاضر وما حدث فيه من تجاوزات أن تتكلم عن دماء بريئة سالت كالينابيع المتدفقة يخجل منها الموتى فيتدفق الدم إلى وجناتهم لتحمر خجلا وندما ..لتتكلم عن ما يعنيه الشرف عند الطغاة وما فعلوه بالبلاد والعباد من انتهاك للحرمات واستعباد واغتصاب الأرواح والنساء ..عند سماع ذلك سوف يغمض الشرف عينيه لأنه لن يستطيع النظر بعينين مفتوحتين لواقع تجاوز السوريالية باشواط بعيدة..انحلت وفقدت الغيرة على الأرض و العرض فسادت الإنتهازية والخسة ورخص القيم ..تفتت الغيرة على رمال الضياع بعد أن كانت صخرة صلبة تنكسر عليها أمواج الخلاعة الأخلاقية والفكرية..أمام هذا الوضع المزري أريقت الدماء وشربت الأرض وارتوت حتى الثمالة…
نحن نظيفون
هكذا رأت ,,عند اكتمال القوس
في عز الجنون
قمرا يدخل في الاعمار
في المنحدر الضيق
بين المدن الحبلى وارحام النساء
قمرا هيا.. اعلن موت الانبياء
ان خاتمة البحر تقترب الان
والطيور التي تتجمع في باحة القلب
يقتلها الانتظار
حين خجل الاغنياء من كرم الفقرا
ولم يعد للشرف اكثر من محطة
هكذا رأت .. عند اكتمال القوس..اكتمال القوس قد يعني بداية مستقبل أكثر اشراقا ..اكتمال الضمير الأخلاقي ..علامة على تصدر الحقيقة للمشهد وتبني المثل الإجتماعية العليا وضوح الرؤيا نبذ الأوهام والزيف.. ببساطة تحقيق مسار جديد إلى الأمام من رأى هذا ..؟ المفكرون الحكماء ، أهل الحل والعقد , المنجمون ،العرافات و أهل العرفان الكل رأى ذلك ..اكتمل القوس حدثت الرؤيا في عز الجنون أي وسط الدمار ،الحزن والأسى رأوا قمرا ،ضوء ،اشعاعا يدخل العمر ليتزمن فيه وينعكس اشعاعه في المنحدر الضيق جدا في المدن الملآنة بالناس ليضيء الدروب والمتاهات والمنعرجات وأرحام النساء اللواتي سيلدن الأقمار يشعون نورا يعم كل الأرجاء ..هذه الرؤية ترى أن بحر الدماء والأحزان والمعانات في انحسار وإلى الخاتمة مسيره اليقيني .. سيتم انقاد الطيور التي تقطن باحة القلوب والتي قد ترمز الى الأحلام والأماني من أن يفتك بها الإنتظار فمن أمد طويل وهي تنتظرالتتحقق..قد تغير الوضع صار الفقراء بكرمهم وغيرتهم على الوطن واستعدادهم للعمل ولرفع ناصية التحدي بما تيسر يخجلون الأغنياء الأكثر بخلا وكسلا وتهاونا وغباء لا يعرفون إلا تكديس الأموال في الأبناك الأجنبية يتملكهم الرعب والفزع من هؤلاء النظيفين و من الأوهام التي كانوا من صانيعها و من مبدعيها لإثارة النعرات والنزاعات ..يرى أن الشرف عاد إلى محطته الأصلية والوحيدة ,,أن تكون شريفا هناك محطة واحدة فقط أن تكون كريم النفس والخلق في عزة ورفعة واستقلالية تامة في خدمة أمتك ووطنك لا غير…
نحن نظيفون ,,نحن بخير
لم تعد غير اوجاعنا تحت جلد النخيل
وبين الرصاصة والحلم ….طائرنا المستحيل
انها خرجت بعد احلامنا بقليل
خطاها صوتها تشير الى زرقة السماء
الى شرف لا يستجير
انهضي من جدوع الدماء
انهضي
ان شمس المساكين لا تجيد الانحناء
الا لرب العالمين
النظيفون بخير الأزمة قاب قوسين أو أدنى من النهاية
لم تعد للنظيفين أوجاع إلا العادي منها أي المرتبطة بالحياة العادية وتم تشبيهها ب”أوجاعنا تحت جلد النخيل ” وماذا تحت جلد النخيل ؟ لن يكون إلا النسغ الصاعد من الجدور بعد امتصاه من التربة ليغذي العسف والبلح أي أن أوجاعنا أصبحت تربية الأجيال وخدمة الأمة فنحن النظيفين نسغ الأمة ..من بين الرصار المنهمر والموت الزؤام بزغ طائرنا من المستحيل لتخرج الأمة من بوتقة التأزم والتحنط لتعود لنا أحلامنا المغتربة ونرى الأمة تخطو مشيرة إلى زرقة السماء معلنة تبدد غيوم الحزن والأسى والضيق الشديد وعاد الشرف ليفتح عينيه المغمضتين ولم يعد يستجير بأحد لا بجار ، لا بأجنبي بعيد أو قريبا كان .. يطلب أن تنهض البلاد من كبوتها من وسط جدوع الدماء أي أصل الكوارث لا من فروعها …..
انهضي يا أمتي من وسط الرماد كطائر الفينيق وحلقي عاليا لا خضوع لا استسلام
نحن النظيفون لا تنحني شمسنا لأي أحد إلا لرب العالمين وقد نعطي تفسيرا أشمل لرب العالمين ليتضمن الأخلاق العالية والقيم الإنسانية العليا والتعايش السلمي والمحبة والأخوة والتعاطف والرحمة.

4–خلاصة 
يتعلق الأمر بقصيدة حداثية أو ”مابعد حداثية” في هندستها في صورها الشعرية في موضوعها تنبع من فكر عربي أصيل بنت تربة البلاد ,,نعم هناك قصائد حداثية لشعراء آخرين اتابعهم عن كثب الاحظ أن بعض أو جل قصائدهم جيء بها ،أقله شكلا وقد يكون مضمونا واعني بالضبط روح القصيدة لا مفرداتها من تربات أجنبية قد تغني المشهد الثقافي العربي ويحصل تثاقف او تلاقح فكري لكن لكي تنمو هذه القصائد وتونع ، تزهر وتثمر في حاجة ماسة لبستانيين مهرة حدقين في مهنتهم ….
كان بودي أن أتطرق بشكل مفصل لهندسة النص وطريقة بنائه لبنة بلبنة وترتيب أفكاره بطريقة مدهشة لكن المجال لا يسمح ليطول بنا المقام هنا قد أفعل هذا في قصائد اخرى إن شاء الله…لكن اعبر على أنني جد معجب بهذا الجانب الذي لايقل متعة وجمالا عما ذكرناه
أخي وصديقي العزيز أبو أشرف أنا في غاية السعادة والسرور لقراءة هذه القصيد الرائعة التي كانت ضيافتها في خيام أكرم وأشرف الناس….

النص الشعري :لأبو أشرف الخفاجي
(( نحن .. نظيفون !! ))
نحن نظيفون…..
كوردة هذه الإمرأة تشير للعاشقين
كأنها.. توميء للصبح القتيل
هنا الأنبياء..سينتظرون أي إله
والمناديل النظيفه ستستعد للرحيل ..
كوردة للجسد المقطوع. للينبوع
للبراءة التي تقرأ جوع النائمين ..
إطلعي الليلة.. من شتات العمر
وأعبري برد التماثيل
أستميلي دموعي.. وأطرقي شرف الزمان
حدثينا..عن دم يصقل خد الميتين
حدثينا.. عن تجاعيد شرف الطغاة
أغمض عينيه الشرف..
وأنحلت الغيرة على رمال الضياع!!
شربت الأوطان من دمك .. حد الثماله
نحن نظيفون..
هكذا رأت .. عند أكتمال القوس
في عز الجنون
قمرا يدخل في الأعمار
في المنحدر الضيق
بين المدن الحبلى وأرحام النساء..
قمرا هنا .. أعلن موت الانبياء
أن خاتمة البحر تقترب الأن
والطيور التي تتجمع في باحة القلب
يقتلها الانتظار ..
حين خجل الأغنياء .. من كرم الفقراء
ولم يعد للشرف.. أكثر من محطة
نحن نظيفون .. نحن بخير
لم تعد غير أوجاعنا تحت جلد النخيل ..
وبين الرصاصة والحلم .. طائرنا المستحيل
إنها خرجت بعد أحلامنا بقليل..
خطاها..صوتها تشير إلى زرقة السماء
إلى شرف لا يستجير
انهضي من جذوع الدماء
أنهضي…
ان شمس المساكين..لا تجيد الانحناء
الا لرب العالمين…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى