حمى الانتخابات تخفي مظاهر الاحتفالات بذكرى المعركة
عصري فياض | فلسطين
هنا مخيم جنين، هذه الليلة ليلة الثالث من نيسان، الليلة باردة ماطرة، لو عدنا للخلف ثمانية عشر عاما، ومررنا على سماء وأزقة المخيم المذكور، لكان الجو مشابها في البرد والمطر، لكنه ساخن بين الازقة والميدان، لقد كانت فلسطين والوطن العربي والعالم على موعد مع معركة شرسة خاضها نحو مئتي مقاتل فلسطيني من كافة الفصائل مع اعتى جيش في المنطقة انه جيش الاحتلال “الاسرائيلي”، وبعد عجز جيش الاحتلال عن كسر إدراة المقاوميين،وتغير وحدات الجيش المقاتلة ثلاث مرات، وبعد معركة استمرت بالدبابات والطائرات وقوات النخبة من المشاة والقناصة والفرق الخاصة، إنتهت المعركة بعد إثني عشر يوما بالنتيجة التالية:-
– الجانب الفلسطيني: 63 شهيدا منهم 29 مقاتلا،ونحو 70 جريحا ومئات الاسرى وهدم ومسح أحياء كاملة من المخيم بإحدى عشرة حرافة عسكرية من نوع “دين اين”، حيث اخفت من على وجه الارض 470 بيتا إختفااء كاملا.
– الجانب “الإسرائيلي”: حسب الإحصائيات الصحافة “الاسرائيلية” 27 ضابط وجندي قتلى، و140 جريحا، وإعطاب وتدمير عدد من الدبابات من نوع المركافاة وناقلات الجند المصفحة التي بقيت بعض قطعها في أرض المعركة.
اليوم مخيم جنين، ذلك القطعة الغالية من الوطن، يمر على الذكرى ببعض المنشورات على صفحات التواصل الاجتماعي، والشاغل الوحيد لكثير من التنظيمات والفعاليات والمؤسسات هو الانتخابات المنتظر إجراؤها في الثاني والعشرين من آيار المقبل، فلا مظهر واحد لإحياء هذه الذكرى بالرغم من أن بعض المرشحين المحتملين لكتل تلك الانتخابات كانوا من المقاتلين الذين خاضوا تلك المعركة،بعضهم ما زال في الاسر وبعضهم حرر، وبعضهم ينتظر الافراج في الايام والأسابيع القادمة، لكن المخيم بأحياءة وساحاته وأزقته هاديء لا يوجد فيه أي علامة إحياء واحدة لهذه الذكرى وهذه الحادثة التي هزت العالم.
لقد عمدت كل شعوب العالم وثوراتها وحركاتها التغييرية على إحياء المناسبات والاحداث التي كانت تشكل مفصلا في حياة شعوبها، وهذا على مر التاريخ كان عملا تلقائيا وروتينيا، بل على العكس كلما ابتعدت الذكرى كلما زاد تعلق أهلها بها وتفننوا وطوروا في إحيائها لكي يقدموا للاجيال التي لم تشهد الحدث رسالة الحدث وعظمته، ويحييوا تاريخ الشهداء والجرحى والابطال الذين صنعوا تلك الموقعة، وقدموا لقضيتهم إنموذجا كبيرا وصارخا في التضحية والنضال.
لن تكون الانتخابات بأهمية ذكرى تلك المعركة الخالدة، ولن يكون الاعداد لها وما يصاحبه من أفعال وتحضيرات بأهم من إحياء ذلك الحدث الذي قدمه لنا هذا المخيم بكل مكوناته، وبالتالي تقاعس او تجاهل التنظيمات والمؤسسات والفعاليات في إحياء الذكرى يعتبر إحجاف وتقصير وتنكر بل إهانة لتلك البطولة،بل أنه يعطي مؤشر على أن ما صنعه الابطال لم يعد بذات القيمة التي كان عليها، وأن قيمة صراع الانتخابات وما سينتج عنها أصبح أعلى وأهم، وهذا بحد ذاته طامة كبرى.
فلو توفرت النية لكان هناك على الاقل إكليل زهر وكلمة، أو اشعال شعلة وزيارة أسر الشهداء، أو الوقوف دقيقة صمت وتلاوة الفاتحة ، أو إذاعة بيان أو تنظيم ندوة،إطلاق 21 طلقة بالهواء كحال مئات الطلقات التي تشق السماء في المخيم في كل مناسبة مثل الافراج عن اسير أوفرح أو غيره..
إن مرور الذكرى الثامنة عشر بصمت أمر معيب، وينم عن تجاهل وعدم تقدير وإحترام، وكل يتحمل هذه المسؤولية، سواء كان تنظيم أو مؤسسة من مؤسسات المخيم أو فعاليات لها وزنها ومكانتها.
إن التقصير والتنكر والاستخفاف والنسيان والتجاهل ثلمة في رقبة كل من المذكورين،فلم تعدت الشعوب الحرة أن تفعل بذكرى صنائعها بهذا الشكل، وأن هذا الصنيع، خاصة إن تواصل للأسف يأخذنا للشعوب التي لا تعي معنى النضال والمقاومة، للشعوب المستعبدة والخانعة لرغباتها وطموحاتها الفردية،للشعوب الكارهة لمثل هذا الخط الغارقة في ملذات الذات حتى لو كانت في لباس المهانة والذل.