وجوه مزيفة على خشبة الحياة: الكِبر والرياء بين التفاخر والتمثيل

د. نجاة صادق الجشعمي
في عالم يزداد فيه التنافس على الظهور والتفوق، يتسلل الكِبر والرياء إلى النفوس كأمراض خفية، تلبس أقنعة الفضيلة وتختبئ خلف ستائر المجاملة.هما ليسا مجرد صفات مذمومة، بل حالتان نفسيّتان واجتماعيّتان تُفسدان صفاء القلب وتشوّهان العلاقات، وتدفعان الإنسان إلى العيش في وهم العظمة بينما يغرق في مستنقع الزيف.
الكِبر: شعور بالتفوق أم خوف من النقص؟
الكِبر هو شعور داخلي يجعل صاحبه يرى نفسه أعلى من الآخرين، سواء في المال أو الجمال أو العلم أو حتى التدين. المتكبر لا يتعامل مع الناس بندّية، بل ينظر إليهم من برجٍ صنعه بنفسه، متوهمًا أن الكون يدور حوله.
لكن في العمق، كثيرًا ما يكون الكِبر رد فعل على شعور دفين بالنقص. فالشخص الذي يبالغ في إظهار قوته قد يكون هشًّا من الداخل، يخشى أن يُكتشف ضعفه، فيلجأ إلى التكبر كدرع نفسي يحميه من مواجهة ذاته.
الرياء: عبادة الصورة بدلًا من عبادة الحقيقة
أما الرياء، فهو الوجه الآخر للكِبر. هو أن يفعل الإنسان الخير لا لوجه الله أو لقيمه الداخلية، بل ليُقال عنه إنه صالح أو كريم أو متدين. الرياء يجعل الإنسان يعيش حياة مزدوجة: وجه أمام الناس، ووجه آخر حين يختلي بنفسه.
المرائي لا يسعى إلى رضا الله أو ضميره، بل إلى إعجاب الآخرين. يحرص على أن يُرى وهو يصلي، يتصدق، يساعد، يبتسم… لكنه في الخفاء قد يكون قاسيًا، بخيلًا، متكاسلًا. هو ممثل بارع على خشبة الحياة، نسي أن الجمهور الحقيقي هو الله، الذي يرى ما في القلوب لا ما في الوجوه.
العلاقة بين الكِبر والرياء: دائرة مغلقة من الزيف
الكِبر والرياء يتغذيان على بعضهما. فالمتكبر يحب أن يُمدح، والرياء هو وسيلته لذلك. حين يتكبر الإنسان، يسعى لأن يُعجب الناس به، فيُظهر ما ليس فيه، ويتصنع الفضائل. وهكذا يصبح الرياء أداة لتغذية الكِبر، ويصبح الكِبر دافعًا للرياء.
كلاهما يبعد الإنسان عن الصدق، ويجعله يعيش في عالم من التمثيل والتزييف. والأسوأ من ذلك، أنهما يحرمانه من لذة الإخلاص، ومن صفاء القلب، ومن رضا الله أو راحة الضمير.
آثار الكِبر والرياء على الفرد والمجتمع.
على الفرد: يعيش المتكبر والمرائي في قلق دائم، يخاف من فقدان صورته أمام الناس، ويشعر بالحاجة المستمرة لإثبات نفسه. لا يعرف الطمأنينة، لأن حياته قائمة على نظرة الآخرين لا على قناعته الداخلية.
أما على المجتمع: تنتشر ثقافة التفاخر والتظاهر، ويقل الصدق، وتضعف العلاقات الإنسانية. يصبح الناس منافقين، يتعاملون بأقنعة لا بقلوب، وتضيع القيم الحقيقية وسط ضجيج المجاملات.
كيف نتخلص من الكِبر والرياء؟
الصدق مع النفس: الاعتراف بوجود الكِبر أو الرياء هو أول خطوة نحو العلاج
الإخلاص في النية: أن نسأل أنفسنا دائمًا: لماذا أفعل هذا؟ من أجل من؟
التواضع الحقيقي: أن نرى أنفسنا كبشر نخطئ ونصيب، ولسنا أفضل من أحد.
الاستغفار والمراجعة: أن نراجع أعمالنا وننقّي نوايانا باستمرار.
صحبة صالحة: من يذكّرنا بالقيم، لا بالمظاهر.في نهاية المقال لابد وان نقول: إإن الحرية تبدأ من الداخل
في زمن الصور المعدّلة والمواقف المصطنعة، يصبح الصدق عملة نادرة. الكِبر والرياء قد يمنحان الإنسان لحظات من الإعجاب، لكنه يخسر نفسه في المقابل. وحده التواضع يمنح الإنسان حرية داخلية، ووحده الإخلاص يفتح له باب الطمأنينة. فكن صادقًا، متواضعًا، مخلصًا… لأنك حين تكون أنت، لا ما يريد الناس أن تكون، تبدأ رحلتك نحو الحرية الحقيقية.



