فكر

طاقة المشاعر وإنسانية الإنسان

أ.د. محمد سعيد حسب النبي |أكاديمي مصري
يظن كثير من الناس أن للأحاسيس والمشاعر جدراناً صلدة لا يمكن اختراقها، كما يظن كثير من الناس أن التعبير عنها ضعف،إنهم الموصوفون بقساة القلوب، رغم أنهم بشر وليسوا صخوراً أوحجارة، وإن من الحجارة لما يتشقق فيخرج منه الماء.إن التعبير عن المشاعر يمثل علاجاً لكثير من الأمراض النفسية، وقد صار معلوماً الآن أن أفضل الطرق لعلاج الاكتئاب والإحباط يكمن في التعبير الحر عن المشاعر.والكتابة شكل من أشكال التعبير حيث تنساب المشاعر والأحاسيس في صورة كلمات وأفكار مصدرها العقل والوجدان.
ولقد قرأت يوماً قصة كاتبة بدأت رحلتها في عالم الكتابة بعد مرورها بحادثة أثرت في نفسها أيما تأثير؛ فوجدت نفسها تمسك بقلم وتكتب ما تستشعره،وقد كانت الكلمات تتتابع وتنطلق سريعاً وبغزارة،وقد كانت تكتب كل ذلك على أي ورق تجده أمامها، وخلال نصف ساعة كانت قد انتهت من كتابة القصة. لقد كانت تجربة فذة بالنسبة إليها، تفيض بالمشاعر والمعاني والأحاسيس، وكانت سعادتها غامرة بهذه التجربة. وقد عرضت تجربتها على المقربين منها؛ فتنوعت تعليقاتهم ما بين مؤيد ومعارض، ومن المؤيدين من أشار إلى أن كلماتها اخترقت أعماق نفوسهم برقة ورشاقة،والمعارضون وقفوا على الشكل دون المضمون، والمظهر دون الجوهر.
ولقد تعلمت من هؤلاء جميعاً؛ فالتعليقات الإيجابية شجعتها ودفعتها للأمام، واستطاعت ببراعة أن تجعل من التعليقات السلبية سبباً أيضاً في اكتساب خطوة أخرى إلى الأمام، فقد صارت أكثر دقة ورقة، إنها استوعبت مفهوم النقد البناء الموجه للعمل وليس للشخص، وبالتالي فقد فطنت إلى أن التجارب السلبية ليست شراً مطلقاً؛ وإنما هي مصدر من مصادر التحدي والتطوير والانطلاق.
وحواس الإنسان من المحفزات الدافعة لإطلاق المشاعر العاطفية والروحية؛ فقد وُجد أن حواس الإنسان يحفز بعضها بعضاً؛ فاللوحة الجميلة والزهرة المتفتحة والموسيقى الرقيقة تحركجميعها النفس والخاطر، وكلنا قد مر بتجارب رأينا فيها أو سمعنا ما يثير خبرات من زمن الطفولة، وما يستنفر كوامن الأشجان.
إن للمشاعر طاقة تمثل الوقود الدافع للحياة؛ للدفاع عن الذات، وتلبية الاحتياجات. والدوافع تتنوع بين اهتمام واستمتاع ودهشة وهي مصدر المشاعر الإيجابية، وحزن وخوف وغضب وهي منبع المشاعر السلبية.والإنسان الطبيعي يمر بمراحل متنوعة يستشعر فيها الفرح والاستمتاع والدهشة،ويسعى لكبت الخوف والحزن والغضب حتى لا يفقد القدرة على التواصل مع المشاعر الإيجابية؛ فتحول بينه وبين الاستمتاع بالحياة.
كلنا يشعر ويحس، وكلنا يعبر عن مشاعره، ولكننا نختلف في طرق التعبير وفقاً لخبرات الإنسان، والتي تتلون بتلون المجتمعات، واختلاف المشارب والثقافات، كما أنها –ودون جدل- الضامن لإنسانية الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى