سوالف حريم.. وصيتي” 2 “

حلوة زحايكة | فلسطين

وممّا أوصي به في حياتي قبل مماتي، هو الحفاظ على الأرض، فهي أمّنا التي تطعمنا من خيراتها، ونسكن على ظاهرها، ونعود لنسكن باطنها في دورة عجيبة غريبة. وأوصي أهلي وأبناء قريتي خاصّة وأبناء شعبي عامّة بأن لا يفرطوا بشبر منها، فمن يفرط بأرضه يفرط بعرضه ولا يصون شرف أمّه، فتراب وطننا مقدس ومجبول بدماء الآباء والأجداد. ولا غرابة بأنني أحنّ بعاطفة قويّة إلى براري قريتي السواحرة، وهي براري القدس الشريف، فهناك ولد أبي وعاش وتزوج وأنجب إخوتي الذين يكبرونني عمرا. عاشوا في تلك “الخشّبيات” التي بناها المرحوم جدّي لأبي في ذلك الفضاء الرّحب، حيث كانوا يزرعون الحبوب من قمح وشعير وعدس وكرسنّة، ويربّون الأغنام وهذه كانت مصدر رزقهم الوحيد.

عندما أزور تلك المنطقة وأرى تلك المستوطنة اللعينة الجاثمة قربها، أشعر بغصّة تنكّد عليّ عيشتي. فلا تفرطوا في الأرض يا أحبائي.

وأوصي بأن تكونوا من روّاد ومصليّ المسجد الأقصى، فهو في خطر حقيقي، ووجوده عنوان لقدسية وطننا، ولوجودنا، وإذا ضاع الأقصى ضاع العرب والمسلمون ومسيحيو بلادنا المقدسة.

وأوصي بأن أدفن على قمّة جبل المكبر الجبل الرئيس في قريتي، لأطلّ على القدس الشريف، على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، كما أنّه يطل على قبر أبي وأمّي وأحبتي وأحبابي الذين سبقوني في الرحيل ، ادفنوني في نفس المكان الذي كبّر فيه الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب عندما جاء القدس فاتحا، وكبّر وهلّل وخرّ ساجدا لله عندما اكتحلت عيناه برؤية قدسنا الشريف.

أعرف أن طلبي الأخير هذا سيكون مستحيلا بسبب الغزاة الذين يسيطرون على قمة الجبل، لكن لا تتركوا المحاولة، فلا شيء بعيدا على الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى