رسالة إلى صديقٍ بعيد

جبرا حنونة | بيت ساحور – فلسطين

صديقي الحبيبْ
سلامي إليكَ هناكَ بمنفاكَ
أبعثُهُ في الفضاءِ البعيدِ… البعيدْ
أخافُ إذا بحتُ باسمكَ … أو باسمِ منفاكَ
حيثُ الرسائلُ في عصرِنا يا صديقي
تُفَضُّ بكاراتُها في البريدْ
سلامي إليكْ.. من هنا
من أزقَّةِ بلدتنا
من شوارعَ كنّا نطوفُ بها قبلَ عشرِسنينْ
حينَ كنّا خيالاً جموحاً يسافرُ خلفَ الجسورِ
وخلفَ السحاب
حينَ كنّا نظنُّ بأنَّ الزمانَ.. وأنَّ المكانَ
لعبةُ في يدينا
هنا يا أخي تحسبُ الوشوشاتُ علينا
يدخلُ العابثونَ المخادعَ
في غرفِ النّومِ.. يختبئونَ لنا في الفراشِ
وفي مدخلِ الملعبِ المدرسيِّ
وفي دفترِ الشعرِ.. في صفحاتِ الجرائدِ
في البيتِ… في الطرقاتِ
ولكنني يا صديقي أرى أنهم بائسون
يخافونَ من كلِّ شىءِ
تجوسُ أناملُهم في البضائعِ.. في سلةِ الخضرواتِ
وفي شنطِ السيداتِ
وفي الصدرِ.. في الظهرِ
بينَ ثنايا ملابسِنا الداخلية
….. ….. ….
صديقي البعيدْ…
أجوبُ الشوارعَ في كلِّ يومٍ
أطوفُ الأزقّةَ
كانتْ قديماً رفوفَ حمامٍ .. عذارى نقيةْ
شوارعُنا قبلَ عشرِسنينَ.. أراها طلولاً
وأحلمُ أنكَ قربي تدندنُ لحناً شجيا
وتهدرُ سيّارةٌ عسكرية.. لتفسدَ هدأةَ منتصف الليلِ
توهجُ أضواؤها الساطعاتُ
لتفسدَ طهرَ المكانِ
وأيّارُ يبكي ليالي السّمرْ
ليالي الحكاياتِ والميجنا في الدروبِ السخيّةْ
وتحسدُني يا صديقي لأني هنا صامدٌ
وأنتَ هناكَ سجينٌ بأرضِ العروبة
كما يتمنى الصديقُ المسافرُ
لو عادَ حرّاً طليقاً إلى السجنِ في الناصرة
هنا بذرةُ الرفضِ تنبتُ في الصدرِ.. تنمو
هنا وخزةُ الجرحِ في الخاصرة
لا فرقَ إنْ ماتَ طفلٌ ببيروتَ
أو عاملٌ في مصانعَ حلوانَ
أو ثائرٌ في سجونِ الغزاةِ
ولكننا ياصديقي .. برغمِ الحصار.. برغمِ العذابِ
نظلُّ نحاربُ جيشَ الظلامِ
نلملمُ أشلاءَنا من جديدٍ
ونفتحُ للشمسِ أبوابَنا منْ جديدٍ
لنكملَ رحلتنا الظافرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى