تساقط أوراق الخريف

رحاب يوسف | كاتبة وتربوية فلسطينية

إنَّ المُجتَمَعَ العَرَبيَّ يُعاني من جُملَةٍ من المَوروثات، والعادات الشَّعبِيَّةِ – رَغمَ هَشاشَتِها المَنطِقِيَّةِ – والتي تَتَمَظهَرُ أساساً حول نَظرَةِ الرجُلِ إلى المَرأةِ المُنفَصِلَةِ، وتَعُدُّها دَرَجَةً دونيَّةً على جَميع المُستَوَيات: الاقتصاديَّة، والدينيّةِ، والثقافيَّة، والاجتماعيَّة، والسياسيَّة، وتَصِفُها كائناً ضعيفاً، خانِعاً، وتابعاً تحت رحمَةِ غَيره، وهذه – في الحقيقة – نابِعَةٌ من كَون سُلطَةِ الرَّجُلِ هي الغالِبَةُ في كُلِّ مَجالات الحياة، حتى داخِلَ الأُسرَةِ، لذا تَتَّصِفُ مُجتَمعاتُنا بالذكوريَّة.
جاءت نَظرَةُ المُجتَمَع للمرأةِ المُطَلَّقَةِ كَونَها كَياناً مُستَلباً، وفاقِداً أهلِيَّتَهُ، ينظُرُ إليها بازدراءٍ ودونِيَّةٍ، وكأنَّها ارتَكَبَتْ جُرماً، على الرغم من أنَّ الحَياةَ تَطَوَّرَتْ وتَغَيَّرَتْ في الكثير من المفاهيم، وأخَذَت المَرأةُ مَجالاتِها في شَتّى نواحي الحياةِ، وأشرَكَت الرجُلَ معها، ولكن تبقى هذه النظرةُ القاصرةُ والجاهلةُ هيَ المِسمارُ الكبيرُ في نَعشِها طالما بَقِيَت عَقليَّةُ الرَّجُلِ تَقبَعُ في دهاليز القُرون الوُسطى.
أكبرُ إشكاليَّةٍ تُواجِهُها المَرأةُ المُنفَصِلَةُ نَظرَةُ بِنتِ جِنسِها لها، نَظرَةٌ لا رَحمَةَ، ولا هَوادَةَ فيها، تَظُنُّ أنَّ الزواجَ هُوَ مِحوَرُ الحياةِ، وكأنَّهُ لا يوجَدُ قضايا أُخرى تَعيشُ من أجلِها، فأصبَحَ حُلمُ المَرأةِ هو الزواجُ، رُبَّما من أجل التباهي والتفاخُرِ، فضَخَّمَتْ، وعَملَقَتْ، وألَّهَتِ الرَّجُلَ، مِنهُنَّ مَن تَجِدُها تتباهى بعَضَلات زَوجِها المُنتَفِخَة، بينَما عَقلُه بحَجم حَبَّةِ السمسم، وأخرى تُمطِرُنا بصُوَرِ زَوجِها على مواقع التواصلِ، مُتَباهِيَةً بلوَن عينيه الزرقاوين، أو الخضراوين، ولا تدري أنَّ مِثلَ هذا الأمر يُثيرُ اشمئزازَ مُعظَمِ النساءِ اللواتي يَكرَهنَ الرجُلَ الأشقر، من السهل أن تكوني “حَرَمَ فُلان” لتَنشُري صُوَرَهُ على صَفَحات المواقع، هذا ليسَ عَيباً، رُبّما الامرُ طبيعيٌّ ونَحتَرِمُ اختيارَكِ، وعليكِ احترامُ رَغبَةِ مَن لم تَجِد مَن يُناسِبُ عَقلَها وثَقافَتَها.
إنَّ المَرأةَ المُنفَصِلَةَ في مُجتَمعاتِنا تُواجِهُ تَجارُباً قاسِيَةً، ومِحَناً أشدَّ من مِحنَةِ انفصالِها، فأطماعُ الرجال حَولَها تَرشُقُها بسِهامٍ، وعيونٌ تَرميها بنَظَرات اللَّومِ، وألسِنَةٍ تَقذِفُها بشَرَرٍ، فتَصليها بكلماتٍ كرصاصٍ يَختَرِقُ قلبَها، فتوقِعُها صريعَةً تَلفُظُ آخِرَ أنفاسِها، وآخِرَ ما تَبَقَّى من إحساسِها بكَرامَتِها و إنسانيَّتِها.
ينبَغي على المَرأةِ المُنفَصِلَة ألاّ تَستَسلِمَ للأفكار العَقيمَةِ التي تتبنَّاها مُعظَمُ المُجتَمَعات، وألا يبدو الانكسارُ والذلُّ والهَوانُ عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى