ينابيع الهوى.. رسالة إلى أنثى
بقلم: محمد أسامة | أمريكا
تلك رسالتي إليكِ، وقد أدناني الشَّوقُ منك، وسألني القلب عنك، فقد أبصر في الآفاق أحلامه، وفي ينابيع الهوى آماله، يركض نحوك، وقد يمَّم شطره تجاهك، وجعل صلاته ناحيتك، يعقد خيوط الوصل من أجلك، وقد عُبِّئ في حجراته شوقًا، وامتلأ في أعماقه صبًّا.
قرأتُ رسالتك إليَّ ففهمت معناها، ووعيتُ مغزاها، ولامست أحاسيسها، وقد دخلت كلماتك قلبي، وامتزجت حروفك بأعماقي، وعلمْتُ أنَّك تجيدين الابتعاد عني، ولا تريدين كسر قلبي، وظننتِ ذلك يزيدني غيظًا، ويعبئ أوردتي أرقًا، ولكنَّني علمتُ أنَّك لست كغيرك من النساء ترتمين إلى من يخطب ودَّك، ويشتهي صلتك، وعلمْتُ أنَّك تتمنَّعين وأنت راغبة، فزادني ذلك شغفًا بك، ورغبةً في السَّعي إليك، وعلمْتُ أنَّ هجرَك لي وصل، وابتعادَك عنِّي قرب، ونأيك عني دنو، فارقْتِني ظاهرًا ولكنَّ أرواحَنا تعانقت، وقلوبَنا تآلفت، وأعماقَنا امتزجت، فبتُّ أسمع همسك، وأنصت إلى ضجيج صمتك، وأشاهد تلك الآمال التي انتعشت داخلك، وتراقصت حولك، فاعلمي أنَّ ابتعادَك عندي نارٌ استعذب لظاها، وأشتهي عذابها، وأعشق لهيبها، وقد صار سعيرُها لي جنَّة، وضرامها لي روضة.
سأظلُّ على محاولتي لطرق بابك، والاتصالِوالاستعلامِ عن حالك، والتذلُّلِ من أجلك، فإنِّي أعلم أن تذلُّلي لك يُعجبك، ومحاولتي تلك تَشْغَلُك، وأنت إن صددتِني في العلن، وتجاهلتِني على الملأ، فإنَّكِ قد أقبلتِ إليَّ بأعماقك، وأسكنتني في حجرات قلبك، واشتقت إليَّ في الخفاء، حتى أنصهر أمامك فتسكبينني سطورًا في حروفك الناطقة، وتجعلينني نبعًا لروحك العاشقة، وقد علمت أن بوحي يلسعك بحقيقة مشاعري المتعمِّقة، وفصولك المتقطِّعة، لا تقولي: لم أشعرْه بذلك. فقد كان لصمتِك ضجيجٌ أسمعه، ولصدِّك لي وصلٌ أعشقه، ولن أطلب منك البوحَ من أجلي، فقد علمْتُ بمشاعرِك، ولامسْتُأحرفَك، وأبصرْتُ حبَّك.
نعم أنا مغامرٌ أريد وصالك، ولكنَّني لستُ بعيدًا أجهل حياتك، ولا تفتحي بابًا للهروب مني، ولا تُمعني خوفًا في الانصراف عنِّي، لا بأس إن تعبْتُ قليلًا معك، ونالني الأرق منك، فإنَّك جائزة وهبها القدر، ولم يعرفْ مثلَها البشر، ولابدَّ للجائزة أن تُنال بعد كفاحٍ مريرٍ، وجهدٍ شاقٍ عظيم، حتى يُقدِّرُ الإنسان قدرها، ويعرف ثمنها، ولا تسألي: أين أنا منه. فقد علمتِ موضعك في نفسي، وعرفتِ مكانك في قلبي، فأنت تاجًا فوق رأسي، وحُبًّا غام على عيوني، واجتاح دواخلي، ودكَّ حصوني وقلاعي، وسأنتظر حتى تنضج عاطفتُك، وتختبرين إحساسك، فمثلك يستحق الانتظار، ما تعاقب الليل والنهار.
بميول صادقة دخلْتُ حياتك، وأثرت استغرابك، قد تألَّمْتِ سنوات حتى شفَّك الوجع، وأضنتك أشواك الفزع، واجتاحتك كوابيسُ الهلع، ورأيتني مختلفًا عن الآخرين، متغايرًا عن السابقين، ورأيتِ فيَّ استعدادًا للتضحية، ورغبةً في البذل، وتودِّين صدق حدسِك بي، وحقيقة ما رأيتِه بأعماقي، وقد احتضن قلبك أثير حروفي، فإن رأيتِ نفسك ضعيفة فأنا معك، أشدُّ من أزرك، وأرمِّم ما انكسر من روحك، وأنقش حروفي على جدار قلبك، وأمسح حزنك، واحتضن ما انسكب من دمعك، أحاصرك ببصماتي، وأغازلك بكلماتي، فإن صددْتِ ثانية عُدت إليك، ولا يبلغني اليأس منك، فلا يخامرني الشك، ولا يهزمني الصد، سترينني مجدَّدًا مهما حاولتِ الابتعاد، سأملأُ أيَّامك، وسأزورك في أحلامك.
حياتي لا تمعني في الصد، و لا تؤخري عليَّ الرد، ولا تحرميني لذَّة الوصل، أم أنَّه يهون عليك كسري! ولا تعبئين بجرحي! وتستنفرين دمعي! وأنا بعد كنت معك لطيفًا أنيقًا! وفي مشاعري رقيقًا! أم أنَّك اشتهيت بكائي لتشربي على ضفافه كؤوسًا امتلأت بجمر دموعي، وحرِّ سهادي.
* * *