رسالة إلى مجهول (9)

هند خضر | سوريا

أيها المجهول:
اسمعني جيداً ..
عندما أعلنت لي الحب كانت لحظة كونية، لحظة ولادتي من رحم الأحزان ،شعرتُ معها بنشوة فارقة، كنت أمسك العالم بين أصابعي وادور بين الكواكب اسقيها ما تيسر لي من خمر روحي الضاحكة.
لستَ بحاجة لمعرفة كم غرقتُ في بحر حبك، دائماً كنت أصل في اللحظة المناسبة -لحظة احتياجك لي -فهذه بحد ذاتها معرفة كافية لحبٍّ أزليٍّ خبأته لك بين ضلوعي، وما رسائلي هذه إلا نقطة في بحر هذا الشعور المقدس .
يكفيك أنني جعلتك تمشي حافي القدمين في مدخل قلبي الطاهر الذي لم يدخله سواك ،
يكفيك أنني وهبتك روحي وكدتُ أتخلى عنها من أجلك، بل أكثر من ذلك ،وهبتك أغلى ما أملك حتى أنني لم أحتفظ بشيء لنفسي أقتات عليه بعد الرحيل.
دائماً من يعطي كثيراً يتألم بحجم عطائه وأكثر بكثير.
رحلتَ بصمت من دون أن تقول لي كلمة تزيل شكي، وتركتني أقع في حفرة سؤال يشعل النار في داخلي (لماذا أنا؟ ) ، بالله عليك ألستَ بقادر على الإجابة على سؤالي؟
جعلتني أعتقد أنني حباً انتهت صلاحيته .
هل هانت عليك وردة النرجس التي نبتت في نافذة قلبك كما أسميتني؟
هل مازلتَ تتذكرني أم كسرت القيد و خانتك ذاكرتك من أكون ؟وإن كان كذلك فأنا لم أمت بعد و سأخبرك من أكون:
أنا الأنثى التي علقت في رأسك للنهاية كذنبٍ لا يُغتفر، وأنا من غفرت لك جرحك ليس لأنني أحببتك فقط بل لأنني لم ولن أتكرر في حياتك، ولأن صورتي لا تفارق مخيلتك حتى وأنت مع أنثى غيري لن يصلك أبداً ما كان يصلك مني، دعكَ من وجهي و ملامحي وتفاصيلي التي لطالما أوقعتك بي فإنك لو بحثتَ عن قلب يشبه قلبي ستعود خائباً ..أؤكد لك هذا ..
أنا المرأة التي استقرت تحت جلدك، و التصقت بذاكرتك حد الجنون و تغلغلت في مسام جلدك كالعطر.
على سيرة من أكون تذكرتُ يوم قلت لي: (أنتِ الأنثى الوحيدة التي احتوت حزني قبل فرحي و صمتي قبل كلامي، احتوت أفكاري ومشاعري التي لا أظن ان أي امراة على وجه الأرض قادرة على احتوائها، أنت كل النساء لا بل آلهة النساء و…) جميل جداً اعترافك هذا فهو بمثابة شهادة لي بالحب أنني غائبة حاضرة ولست حاضرة غائبة، و أن كل ذرة في أنوثتي الطاغية سلبتك عقلك لحد الهذيان بي واستحالة انتزاعي من بين أوردتك وشرايينك، حتى عندما تفتح كفك ستجدني متربعةً على خطوطها، فكيف ستضع يدك بيد أنثى أخرى وأنا من سكنتُ زوايا قلبك و ضعتُ في خطوط يدك؟
كيف ستقول لها: يا روحي؟ وأنا الروح التي تماهت مع روحك وامتزجت بها حد الذوبان كما تذوب قطعة السكر في كأس من الشاي حتى تختفي تماماً بعد أن تكون قد قدمت له كل طعمها الحلو ،آه ما أنبل قطعة السكر!
والآن وبعد كل هذا أنا على يقين بأنك تذكرت من أكون.
يتبع …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى