مذكرة احتجاج
محمد حسين | كاتب وقاص فلسطيني – دمشق
قاربت الساعة السادسة صباحاً لم يشعر عصام بالوقت الذي كان يهاجم أوراقه المبعثرة، فهو منهمك بكتابة مذكرة احتجاج على الإقامة الجبرية التي فرضتها عليه ظروفه الخاصة ومفاعيل المجتمع القاسي الذي رحب جزء منه بها وجزء آخر صمت حيالها،
الشمس التي تعربشت على زجاج نافذته وسقطت فوق طاولة أيقظته، نظر إلى سقف الغرفة فلم يستطع رؤيتها بسبب سحابة كثيفة من سجائره التي كان يلتهمها كأنّه في سباق مع الزمن، هرع إلى نافذته فتحها أخذ نفساً عميقاً من الهواء النقي ومنح الغرفة قسطاً آخرلأنّها أوشكت على الاختناق،
تناول هاتفه، اتصل بصديقه المحامي..
ألو..صباح الخير يا أستاذ نديم..
صباح النور..
عصام: ما رأيك بتناول فنجان قهوة معي إذا لم تكن مشغولاً ؟
يرحب نديم بالفكرة ويحضر إلى منزل عصام، جلسا في الغرفة قرب النافذة احتسيا قهوتهما..
ما هذا يا عصام؟ يبدو صحن السجائر ممتلئاً كأنك لم تنم الليلة الماضية؟
عصام: أجل لم أشعر بالوقت كنت منهمكاً بكتابة مذكرة احتجاج على إقامتي في هذا المكان..
نديم : ولمن ستقدمها.؟
عصام: لا أعلم لكن سأقدمها حتى لو كانت إلى هيئة الأمم أو منظمة حقوق الإنسان..
يضحك نديم طويلاً حتى سالت الدموع من عينيه، ماذا تقول يا رجل؟ مشكلتك تتعلق بك ليس بالأمم المتحدة، القرار لك بالتخلص من هذا المكان لكن أعتقد أنك عاجزعن تحرير ذاتك.
نسيت أن أسألك يا عصام لماذا تريد مغادرة هذا المكان؟
عصام؛ لأنني أشعر أن وجودي هنا خطأ..
نديم: بعد كل هذه السنوات اكتشفت أنك في المكان الخطأ! لماذا لم تصحح هذا الخطأ منذ البداية؟
عصام: لقد غرفت في مقولة الغد الأفضل …
اسمع يا صديقي سأروي لك قصة صديقة لي لديها مشكلة تارة تحمّل المسؤولية للمجتمع وتارة أخرى تحمّلها للقدر وتارة لغدر الآخر وقساوة الحياة حتى باتت تشعر بالضّياع، فهي لم تعِ ماذا تشكّل هي لنفسها وماذا يشكّل الآخر لها ؟ فدخلت في حفرة الأسئلة المعقدة وما زالت تنتظر الإجابات أو كيفية وقف النزيف الذي أصابها من ذلك الجرح..
عصام: أظن أن كلامك صحيح يا أستاذ نديم ربما عليّ أن امزق كل مذكرات الاحتجاج وانهض بثورة تعيد ترتيب أوراقي بدلاً من الانتظار على رصيف الحياة فما زال هناك متسع من الوقت لانفض غبار العجر عن روحي…
نديم: أكيد عليك الحصول على إجابات لأسئلتك وتحدي كل الصعاب وإلا ستبقى في هذا المكان إلى الأبد..
عصام : سنلتقي يا أستاذ قريباً في مكان تحت الشمس….