دور بريطاني مناهض للعدالة الدولية
المحامي إبراهيم شعبان| القدس – فلسطين
الإمبراطورية الإستعمارية البريطانية التي كانت لا تغيب الشمس عن أراضيها، والمسئولة عن معظم كوارث العالم الثالث، والمنكمش دورها السياسي والمتضائل، والمصادقة على ميثاق روما الذي أسس لمحكمة الجنائية الدولية من أجل تحقيق أهدافها بإنجاز العدالة لضحايا الحروب، تصر على لعب دورا ضارا ومؤذيا للعدالة الدولية، والخاصة بالقضية الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدولية عبر مضمون كتاب بوريس جونسون.
فقد وجه بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني المحافظ المعتز بصداقته لإسرائيل ، صاحب الشعر المنكوش رسالة إلى اللوبي الصهيوني في بريطانيا باعتباره أحد أصدقائه، يعترض فيها على قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير في اختصاصها بملاحقة جرائم الحرب واللاإنسانية والإبادة والعدوان التي قامت بها السلطة والجيش الإسرائيليان في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد وجه اللوبي الشكر والعرفان لجونسون مما جعلني أترحم على القائد العمالي البريطاني جيرمي كوبرينن المناهض للصهيونية والذي اتهموه باللاسامية، وأقالوه من منصب سكرتير حزب العمال البريطاني.
وقد علّل ربيب الكيبوتس الإسرائيلي بوريس جونسون اعتراضه بأن كرر الحجج الإسرائيلية المزعومة لرفض اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، حيث قال ان إسرائيل لا تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية لأنها ليست طرفا لميثاق روما، كما أن فلسطين ليست دولة بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. وقد رد عليه السيد بسام زملط المعتمد الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية في لندن وفند كلامه وادعاءاته.
كأننا ابتلينا بمواقف الدول الغربية الموالية لإسرائيل والصهيونية في المحافل الدولية وبخاصة القانونية منها. فقد كان خصمنا الرئيس أمام محكمة العدل الدولية في موضوع الجدار، والمحكمة الجنائية الدولية في موضوع جرائم الحرب الإسرائيلية في الأرض المحتلة هي دول غربية قلبا وقالبا مثل ألمانيا والنمسا وأستراليا والتشيك . لقد قدموا أوراق ودفاع عن المعتدي الإسرائيلي يجب أن يخجلوا منه.
وكأن التاريخ يعيد نفسه ولكن بدرجة أقل ضررا. فها هو بوريس جونسون يمارس دورا قريبا للدور الذي مارسه آرثر بلفور قبل قرن ونيف بان اصدروعد بلفور في فلسطين وجلب علينا الويلات . فهو السياسي الأرعن النرجسي الذي يتدخل بوقاحة في أعمال المحكمة الجنائية الدولية ولا يقبل عملها بتقرير اختصاصها وفق رؤياه الإستعمارية الصهيونية. بودي أسال جونسون ماذا لو قام كاتب هذه السطور أو اي شخص آخر بانتقاد عمل أية محكمة بريطانية، أو حدد لها اختصاصا زمانيا أومكانيا أو موضوعيا، أليست هذه تهمة جنائية تدخل تحت باب تحقير المحكمة. وكيف يسمح لنفسه أن يقول كلاما مغلوطا ذو طابع سياسي وهو ليس أهلا له عن قرار قضائي ذي طابع قانوني وبخاصة أن خلفيته غير قانونية. وهو يعلم علم اليقين أن الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية اتخذت هذا القرار بالأغلبية حيث تبنى رئيس المحكمة قرارا مخالفا للقرار المتخذ. بوريس جونسون يخالف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بدولة فلسطين، ازدواجية مطلوبة ومرغوبة من أجل إسرائيل!!!!
كتب علينا أن نناضل ضد هذا الدور البريطاني القذر في النزاع العربي الفلسطيني الإسرائيلي منذ زمن بعيد بدل أن تناصر الحق العربي الذي انتهكته. وكان بريطانيا المستعمرة ما زالت ماضية في غيها وضلالها لملاحقة الشعب الفلسطيني في كل جزئية قد تقدمه في سبيل حقه في تقرير المصير. فهذه الدولة التي استعمرت فلسطين وقسمتها وقدمتها للصهاينة على طبق من ذهب ما انفكت تقاتل الحق الفلسطيني وتعيقه بل تسعى جاهدة لشله. فهي لم تستطع ليومنا هذا أن تعترف بدولة فلسطين تكفيرا عن سيئاتها ولم تقم علاقات دبلوماسية معها بحجة أو بأخرى، وهو أسلوب عقيم اتبعته الدبلوماسية البريطانية طيلة رحلتها في فلسطين منذ ايام الإنتداب وبعدها وما زالت. حتى أنها لم تقدم اعتذارا رسميا عما جنته يداها من آثام على الأرض الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني.
الساسة البريطانيون ضالعون في انتهاك الحقوق العربية وبخاصة الفلسطينية. فهم تنكروا وقبروا الأماني العربية بالإستقلال بعد الحرب العالمية الإولى، وضربوا وحدة وادي النيل العربي بين مصر والسودان، وسلبوا فلسطين عبر وعد بلفور، وشاركوا في شن هجوما ثلاثيا في حرب السويس ضد مصر، وهم سفكوا دماء العراقيين حينما شاركوا في غزو العراق أيام توني بلير وها هو بوريس جونسون نصير إسرائيل على خطى سابقيه ينتقد قرارا صغيرا تمهيديا للمحكمة الجنائية الدولية.
كان الأولى والأجدر ببوريس جونسون لو كان حريصا على ميثاق روما الذي وقعت عليه بريطانيا وصدقت عليه أن يتقيد بنصوص ميثاق روما ويحترمها وأن يدين من انتكها. على السيد بوريس والكاتب والصحفي جونسون أن يدين قطعان المستوطنين التي تعيث في الأرض الفلسطينية فسادا، وأن يناشد صديقته الدولة الإسرائيلية بأن تتوقف عن هدم المنازل الفلسطينية مهما كان السبب لأنه عقوبة جماعية، وأن يتوققف العنف الإسرائيلي وبخاصة العنف المسلح تجاه المدنيين الفلسطينيين المسالمين، وأن يتوقف التعذيب في السجون الإسرائيلية للفلسطينيين، وأن يتوقف ضم الأراضي المحتلة للكيان الإسرائيلي، وأن تتوقف المحاكم الإسرائيلية عن انتهاك حقوق السجناء والأسرى الفلسطينيين.
لكنه مثل سابقه توني بلير الذي هاجم العراق بحجة السلاح الدمار الشامل، الذي كان كذبة كبرى شارك فيها بلير وبوش وكلاهما تقطر يداهما بدماء العراقيين الأبرياء. والذي عاد إلينا كمندوب للرباعية متحكم في جميع قضايا التنمية الفلسطينية، وكانت جميع البيوت والصالات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية تستقبل الغازي الدموي توني بلير استقبال الفاتحين. وبعد ذلك وقبله كنا وما زلنا نلعن العرب والمسلمين والعالم على عدم احتجاجهم على أفعال البريطانيين تجاه القضية الفلسطينية .
على بوريس جونسون الكاتب والصحفي والسياسي المحافظ، ان يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح المتفق مع العدالة الدولية أمام القضاء الدولي. عليه أن يكفر عن آثام الدولة البريطانية ايام الإنتداب بالإعتراف بدولة فلسطين، وتأييد مطالبتها بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام محكمة الجنائية الدولية ، ووقف الإجراءات الإسرائيلية في ضم القدس. وحتى لا نبدو مبالغين، فإننا نطلب مطلبا صغيرا لا يناقض الديموقراطية ولا العالم الحر، فقط ليؤكد على الإسرائيليين إجراء انتخابات فلسطينية حرة في القدس العربية الشرقية بكل تفاصيلها أم أن تحت السواهي دواهٍ !!!