شروق
حميد عقبي | فرنسا
لم تكن ليلة هادئة، رغم أن هبات الهواء ظلت منكسرة، كسولة، لم تكلف نفسها طرق النوافذ التي ظلت مفتوحة، فتحها عند الظهيرة ليفسح لدخان سجائرة تتحرر من قبضة هذا المكان، كل شيئا هنا يتحرك من زاوية إلى أخرى، هذا الأثاث العجوز لم يفكر ببيعه أو رميه واستبدال غيره، يظل مشغولا، يعد قهوته، يُدخن، يشرب مثنى وثُلاث ورباع من قصاع الجعة، ينتقل من مكتبه إلى أريكة متهالكة، تعرفه تماما، رائحة جسدها أيضا ملتصقة في كل سنتميتر بالمكان، الأريكة، يُحسّ هذه الرائحة، يتفجر الشوق، تصرخ الرغبة، لم يعد مراهقا ليمارس ما يمارسونه في مثل هذه المواقف.
كيف لها أن تنسى هذا المكان؟
كل قطعة هنا كانت وماتزال شاهد عيان، القبلات والمداعبات، العبث المجنون، يوم شاهد فيلم مونيكا إنغمار بيرغمان، أشفق لحال هاري المسكين، نظرت إليه مستنكرة، هزت رأسها بكلمة لا، لا.
قالت وهي تُقسم الأيمان الغليظة :ـ مونيكا..عاهرة ومادية.. أقسم أني لن أتركك
أنت بطلي، صديقي، حبيبي وكل شيء
لا يهمني العالم كله يغضب من أجل علاقتنا
يتذكر ما يحدث بعد ذلك من وشوشات جسدية. يحدث كل شيء، تبدأ تمسك بيده
تبتسم :ـ دعني أنظر إليك، لا تطفئ الضوء، تعجبني ملامح وجهك وأنت..بل نحن نمارس الحب
لا تستحي يا فارسي، كن عنيفا، كن رقيقا، دافئ وسخيا.
لم يكتب قصيدة وأحدة، يظل يفكر، يتأمل الأشياء، يتلمسها، ينظر لجهة المدخل، الفراغ الثقيل يتزاحم، يتكدس، يستعيد الهواء عافيته، يعوي، يصل فحيح البرد إلى قدميه، يشعر بالعجز، يردد
الا ايها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الاصباح منك بامثل.