مقال

قصة أعجبتني

خالد رمضان |كاتب مصري
يقول أحدهم : في الصباح فقدت فأسي، بحثت عنه في كل الأماكن فلم أجده، قلبت المكان يمنة ويسرة لم أعثر له على أثر، واصلت البحث بقوة وعزيمة فلم أوفق في شئ .
في تلك اللحظة مرّ بي جاري وهو يبتسم، فحينما رأيته أيقنت أنه السارق .
مِشيتُه مِشيةُ سارق، ابتسامته ابتسامة سارق، نظرته إليّ نظرة سارق .
بتُ تلك الليلة والدماء تغلي في عروقي، والوساوس تنهش في عقلي، لا أعرف كيف أواجهه ؟!
هل أستطيع أن أتهمه اتهاما صريحًا بالسرقة ؟!
بت ليلتي هذه وأنا في حالة لا أُحسدُ عليها، حتى أصبح الصباح، وذهبت إلى حقلي وأنا في غاية التوتر، وأعصابي مشدودة، ولا أحتمل كلمة واحدة.
بينما أنا أقف على كومة من القش أحسست بشئ، مددت يدي فإذا بالفأس تحت كومة القش، وابني غارق في الضحك يقول :
لقد خبأتها منك يا أبي .
يأتي جاري مارا من أمامي كعادته ، ولكن سبحان الله، ليست مشيته مشيةَ سارق، ولا ابتسامته ابتسامة سارق، حتى نظرته لم تكن نظرة سارق .
أيقنت وقتها أن العيب لم يكن في جاري، وإنما العيب كان فيّ أنا، وفي سوء ظني .
وأيقنت أيضا أني أضعت ليلة من عمري أرهقت فيها جسدي، وأجهدت عقلي، وأحرقت أعصابي في ظنونٍ ما لها إلى الحقيقة من سبيل .
سوء الظن، إنه ٱفة قاتلة، وعلة فاتكة، لا تُضعِفُ البدن فحسب، بل تفسد العلاقات بين الأحباب، وتمزق أواصر المحبة بين الأهل والأصحاب، بل ويمتد خطرها أحيانا إلى المنازعات، والمقاتلات .
وفي قصة المعتصم الخليفة العباسي، ووزيره ما يؤيد ذلك، حينما حقد الوزير على الأعرابي جليس الملك، فأراد التخلص منه حتى أوشى به عند الخليفة.
كتب الخليفة كتابا أعطاه الأعرابي، وأمره أن يذهب به لأحد الولاة، فما كان من الوزير إلا أن اشتد حقده على الأعرابي، وسوء ظنه بالخليفة، وتساءل في نفسه، كيف أخبره عن قبح الأعرابي ويثق به إلى هذه الدرجة ؟
فهرول خلف الأعرابي وقال له: ماذا أعطاك الخليفة ؟
قال: رسالة إلى الوالي .
قال الوزير : هاتها
فلما ذهب الوزير بالرسالة قتله الوالي؛ لأن الرسالة كان مكتوبا فيها أن يُقتل حاملها .
قال تعالى: ” ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ”
يصاب أحدهم بضائقة، فيقول الٱخر : انظر، لقد عاقبه الله.
يمرض شخص، فيقول صاحبه : لقد أخذ جزاءه
وهل اطلعتم على الألواح؟
هل قرأتم ما في أم الكتاب؟!
إنه سوء الظن الذي أفسد كل شئ.
لقد قُتل أطهر خلق الله تعالى من النبيين، والصديقين، والصحابة.
ذُبح يحي عليه السلام، وشُق زكريا إلى نصفين، وقتل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – وقتل علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – وقتل عثمان بن عفان ، ذو النورين، وصلب خبيب بن عدي، وقتل غلام أصحاب الأخدود بلا ذنب، وهُجّر النبي – صلى الله عليه وسلم – من أحب البلاد إليه، ومات أبناؤه، وفقد عمه وزوجته، فهل نجرؤ أن نظن بهم ظن السوء ؟
يقول الشاعر:
وخالف النفس والشيطان واعصهما
وإن هما مهداك النصح فاتهم
يقول تعالى: ” وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء”
قد كانت لي عادة قديمة.
كنت إذا ظننت ظن السوء، ووسوس لي الشيطان وسوسة شديدة، ودفعني دفعا للانتقام، حتى ثارت نفسي إلى حد الفوران، وقتها كنت أحلف على نفسي بأنني لن أفاتح ذلك الشخص في شئ ، بل وأكمل الحلف بأنني سأعامله بأحسن ما يكون.
العجيب في الأمر أنني أكتشف بعدها أنني كنت على خطأ، وأن الشيطان كاد أن يفسد بيني وبين صديقي، فأحمد الله تعالى على مخالفتي لنفسي والشيطان.
إن حَسنَ النية لا يموت ميتةَ السوء، وأعني بميتة السوء الموت على معصية، أيّا كانت هيئته، لأن المرء يبعث على ما مات عليه .
أحسنوا الظن بالله ما لم تتبينوا، وصلوا الأرحام، وادفعوا غوائل الشيطان بحسن الفعال. قال تعالى في حديث قدسيّ: “أنا عند حسن ظن عبدي بي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى