السلام الديني العالمي ليس مجرد تطبيع بل مشروع للولايات الإبراهيمية الصهيونية (1)

صهيب المزريقي | كاتب تونسي وناشط عروبي

قد يتساءل البعض و حق له ذلك ما دخل إبراهيم عليه السلام في مسألة التطيع! وكيف يمكن أن يكون مدخلا للصهيونية حتى تسيطر على المنطقة من النيل إلى الفرات!! ثم هل يدرك الوعي العربي حجم الإستراتيجية الكونية التي تحاك ضده! وأين العقل العربي أصلاً في خضم الصراعات الدولية!
اليوم لازالت كثير من المصطلحات التي تتردد من حين إلى آخر في الأوساط الصهيونية وبعض الجماعات الدينية اليهودية مثل أرض الميعاد، وأرض “إسرائيل” الكبرى، ودولة من النيل إلى الفرات! ومن المحيط إلى الخليج.
وجميع هذه المصطلحات المضللة تؤكد أهداف كيان توسعي قائم على أساس استيطاني/استعماري.
و كما هو معروف فإن تأصيل و تبيان المفاهيم هو ركيزة أساسية لفهم المسألة و كشف النقاب عنها ضمن شروط موضوعية على غرار التاريخ و المكان و الأحداث ، فلنبدأ أولا من تاريخية المفهوم الإبراهيمي و تأصيله.
فلقد بدأت الفكرة في عام 1990 عندما قام سيد نصير المعتقل في الولايات المتحدة بتهمة اغتيال الحاخام مائير كهانا (ما زال معتقلاً لغاية الآن) بطرح فكرة الابراهيمية (أبناء سيدنا ابراهيم) لتشكل قاعدة انطلاق ]لحل القضية الفلسطينية مع “اسرائيل” وامكانية التعايش مع أبناء ابراهيم بسلام، وقد وجّه نصير عدة رسائل من داخل السجن إلى الحكومات الأمريكية المتعاقبة حتى جاءه الرد من قبل ديك تشيني نائب الرئيس الامريكي جورج بوش الابن بأن رسالتك قد وصلت، وفي بداية التسعينات تحدث جورج بوش الأب عن نظام عالمي جديد قائم على فكرة السلام والدين! وقامت وزارة الدفاع الأمريكية بدعم برنامج دراسات الحرب والسلام والذي يعتبر أن الدين مدخل أساسي لصياغة النظام العالمي الجديد، وأن هذا المدخل ممكن أن يحقق فكرة الاتحاد الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، وكان الهدف الحقيقي من الفكرة هو هدف سياسي، ولكن الهدف المعلن يتم تقديمه بأنه تقارب بين الاديان وتلاقي تاريخي وثقافي بين الشعوب.
و عليه قامت الحركة الصهيونية وتيار اليمين المسيحي والحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ سنوات بدعم الفكرة الابراهيمية والعمل عليها وتطويرها من خلال لجنة خاصة تابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، ومن خلال توفير دعم مالي لمؤسسات مختلفة ومنها مؤسسات أكاديمية؛ وكان لجامعة هارفارد دور كبير في تطوير الفكرة والتي عملت عليها لسنوات طويلة؛ وفي العام 2015 أصدرت وثيقة أرض المسار والمستندة إلى رواية العهد القديم، والم قصود بها رحلة سيدنا ابراهيم في منطقة الشرق الأوسط والتي بدأت من تركيا وصولاً إلى مكة والمدينة المنورة ولمصر، وهذا المسار الذي يشكل خريطة “اسرائيل” الكبرى لغاية اليوم، وفيما بعد قامت جامعة فلوريدا في صياغة الفكرة وتقديمها بشكل آخر حيث تحدثت عن الاتحاد الابراهيمي الفدرالي، وأن الإبراهيمية قاعدة لحل الخلافات القائمة اليوم بين أبناء ابراهيم ودياناتهم الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام، وذلك من خلال التركيز على القضايا المشتركة في الأديان والابتعاد عن ما هو مختلف عليه!
وعلى سبيل المثال أن الإسلام يعترف بالديانات الثلاث وأن المسيحية تعترف باليهودية وبالتالي فإن المشترك بينهم هي اليهودية، كما أن المشترك بين الأديان الثلاث هي احترام قدسية الاديان، وأن مسار سيدنا إبراهيم والذي يصل إلى عشرة دول تقريباً يشكل تاريخ مشترك بين شعوب المنطقة، مع مراعاة الشعوب الأصلية (المقصود اليهود تحديداً)، ومن أجل تعزيز فكرة ما هو مشترك يجب العمل بطريقة غير تقليدية قائمة على الدبلوماسية الروحية التي تستند على عقيدة جديدة هي ما تسمى عندهم العقيدة الابراهيمية
و على هذا المسار هذا المسار يتفق مع خريطة “إسرائيل” الكبرى حسبهم، ويحقق لها إزالة الحدود الموجودة حاليا والتي لم تقم “اسرائيل” بترسيمها بشكل نهائي حتى اليوم، وهذا المخطط يتفق مع تصريحات باراك أوباما عام 2013 حول ما أسماهُ أرض “إبراهام” العالمية! كما تحدث كوشنير أن الحدود السياسية ليس لها قيمة في المستقبل، وفي اتفاق التطبيع الإسرائيلي مع الإمارات والبحرين تم تسميتها بالمعاهدة الإبراهيمية (اتفاقية ابراهام) في دلالة واضحة لتبني هذه الفكرة، والتي عبر عنها كوشنير بأنها بداية عهد جديد، ومنذ فترة يوجد تصميم لبيت العائلة الإبراهيمي بمتحف اللوفر في أبو ظبي يجسد هذه الفكرة .
كما تسعى الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى إنشاء نموذج عقائدي من الأديان الثلاث وبهذا تكون “إسرائيل” كيان طبيعي في هذا النموذج هي المركز في الولايات المتحدة الإبراهيمية[المفترضة! يضمن مكانتها المهيمنة في الشرق الأوسط، ومن أجل نجاح هذا النموذج يجب العمل من خلال الدبلوماسية الروحية على تغيير ثقافة الشعوب، والتركيز على ما يسمونه التاريخ المشترك بينهم والتخلص من بعض النصوص وتأويلاتها في العقائد! وتعزيز فكرة التعايش بين الشعوب على حساب المدن والأماكن المقدسة، وعلى حساب أن الاحتلال هو الاصل وليس الدين، والعمل على رفض المرجعيات الدينية العريقة واستبدالها برجال دين ليسوا بعلماء دين، ورفض السنة والأثر وصحيح البخاري ومسلم، وتوظيف سياسيين يؤمنوا بالفكرة، ومن أجل تحقيق هذه الفكرة لا بد من اتهام المرجعيات الدينية كالأزهر الشريف وغيرها من المؤسسات الدينية بالتقليدية والرجعية وممارسة التحريض والإرهاب الخ من المسميات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى