مقطع من رواية أسد أم جفيل الأعرج

طارق المأمون | أديب سوداني

السلطان “هاشم” الشاب الطموح، وافقت خطة “سرور” حلما قديما له بضم منطقة الجبال الصعبة الى سلطانه ، وكان كلما هم بتحقيق حلمه أتى من ينصحه بتثبيت أركانه في الحدود الجنوبية الغربية المتاخمة لنفوذ سلطان “الفاشر”، الذي بدت نزعاته التوسعية في اتجاهه جنوبا، رغم ما تردد عن أن دوافعه التي قادته الى التحرك جنوبا كانت دوافع دفاعية بحتة ، لتأمين حدوده من هجمات القابئل الجنوبية، التي أحست بالقوة إثر توحدها تحت قيادة كجور ربط لهم الغيب بالواقع و أحيا في نفوسهم دوافع القوة و محفزات المجد، لذلك اتجه السلطان “هاشم” جنوبا ليكسب أرضا يحاور حولها في حَربِهِ يشغل بهاغريمه، ريثما يقنع سلطانا آخر شديد الطموح هو سلطان مملكة “الفونج” الشرقيه بمؤازرته في طموحه ، يشكل معه تحالفا قويا يستطيع من خلاله ضم كل السودان الشرقي و الغربي و السودان الأدنى حيث أنهار أفريقا الغناء في “مالي” و ساحل الذهب “غانا”، و لكنه أيضا لم يكن يأمن “سرور” ، الذي تحركه أحقاد شخصية لا تخلو من نزعات استعمارية قد تتطور في مثل هذا الوضع الهش الذي تعيشه المنطقة ، إضافة الى أن هذه المنطقة الآمنة المستقرة الثابتة الولاء لسلطان “الفاشر” إذا ما وصلت أخبار تحركاته فيها الى هذا الأخير فإن ما رمى اليه بخطته سيتضح وستجعل سلطان “الفاشر” يتحرك حركة سريعة تقوض له كل أحلامه التوسعية، و تطيش بتحالفاته المتمناة أدراج الرياح ، خاصة أن الرد لم يأت من سلطان “الفونج” العظيم بقبول هذا التحالف النزق بعد ، لذلك كانت ردة فعله عنيفة إزاء ما قام به “سرور” من رجوع بعد أن وجد غريمه التونسي، “فسرور” لا يعرف أن فشل حملته الصغيرة هذه ربما يؤدي الى ضياع مملكته كلها من بين يديه.
و في مساء الثلاثاء الأخير من يوم الجمعة الذي سيعدم فيه التونسي و السلطان راقد يقلب أفكاره في رأسه تذهب به الأماني و تعود به المخاوف، تدخل خيل مسرعة الى قلب مدينة “الأبيض” ، يركب بعضها جند كان قد انتقاهم بعناية ، لحملة تخضع إقليم الجبال الى سيطرته ، و بعضها يحمل سروجا بلا فرسان ، لتقف أمام أسوار قصره ، أحدثت جلبتها الى حين تجمعها ضجيجا قطع أفكاره و بعث جنود الخوف و الفزع الى رأسه وقلبه ، لتدك كل حصون الأماني و الآمال أمام ناظريه دكا دكا ، نظر السلطان الى جنده العائدين فوجدهم بين ملقى على ظهر جواده خائر القوى و بين ملقى على الأرض قرب جواده، كلهم يهذي: الأسود …الأسود … الأسود…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى