شاهد.. د. منير فوزي يؤطر ورشة للقصة القصيرة بمشاركة ثلة من المتخصصين
حميد عقبي | فرنسا
نتابع سلسلة تلخيصات وعرض لورشات الملتقى الأول للقصة القصيرة في رحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح والذي نظمناه من 6 إلى 11أبريل الماضي ونفذنا فيه 11 ورشة إبداعية في كتابة وتقنية وجماليات القصة القصيرة العربية وبمشاركة أكثر من 60 مشاركا ومشاركة ونقاد وضيوف شرف، جميع هذه الورش وأنشطتنا موثقة على قناتنا يوتيوب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح، نستعرض هنا الورشة الرابعة تحت إشراف أستاذنا الكبير، الناقد والأكاديمي المصري د. منير فوزي وشارك فيها الكاتب والروائي السعودي خالد اليوسف، الروائي المصري شطبي يوسف ميخائيل والقاصة الروائية الجزائرية ليندة الكامل، ضيف الشرف الممثل والكاتب المسرحي البحريني علي سلمان، كانت من أكثر الورش ديناميكية.
بعد الإفتتاح والتعريف بمن حضر، ثم عرض القاص السعودي خالد اليوسف قصتيه “الهاجرة” و”الملمات” وهي من نصوصه الحديثة وهما مستوحتان من أزمة كورونا، ثم قدم د. منير فوزي، مداخلته النقدية حيث وصف القاص خالد اليوسف لأنه متنوع النشاط المعرفي والثقافي ، كثير الإنتاج ، مبينًا شغفه بإعداد بيبلوغرافيا حول القصة والرواية السعودية، وأنه في قصة “الملمات”استخدم الكاتب السجع بما يحاكي لغة المقامة وهنا ليس لكسب لغة المقامة أو إعادة كتابة هذا النوع الأدبي العربي المعروف، بل ليسخر من وجودنا ومن واقعنا المعيش، فنحن نقف في مواجهة الموت وبسبب ذلك فهناك إلتفاف على ذواتنا، ويأخذنا السجع الزائد لننظر إليه كايقاع سردي لعله يحمل بعض التغيير، في القصة الثانية أيضا برز نسق المتناقضات: الفرح والحزن في تجاور، وطرح د. منير عددا من الملاحظات المتعلقة بالإبداع وضوابطه.
ثم كانت هناك بعض المداخلات منها مداخلة الشاعرة السعودية فايزة سعيد التي وصف خالد اليوسف بأنه كاتب يعبر عن الواقع وينقل تفاصيل صغيرة مدهشة وأن تصويره للموت فيه قسوة وهي قسوة الواقع أيضا في عصر الوباء، ثم علقت د. سميحة البوزايدي من تونس منوهة بوجود روح واحدة تقوم على الثنائيات والتعارض بين ضفتين، ثم تحدثت عن المدرسة الواقعية، وبدوره تحدث الفنان علي سلمان مؤكدًا أن الفكرة مهمة في القصة القصيرة، وأن الأساليب تتبلور والقصة القصيرة ما هي إلا بذرة لعدة فنون وأجناس أدبية،وأن ما كتبه خالد اليوسف من قصص يمكن معالجتها كفيلم، وهي هواجس تمسنا جميعا، حيث إننا بصدد قصتين شديدتي الترابط، يبرز الموت فيهما ليتراقص على أكتافنا ويؤثر فينا.
وفي تعقيب له رفض د. منير مايسمى بالواقعية جملة وتفصيلا موضحا أنه طالما هنالك متخيل سردي، فالخيال هو الغالب حيث يصبح حاضرًا ؛ ويصبح المسئول عن تشكيل القصة أو العمل المنتج، وهكذا يتحول عن الواقع إلى الفن ،وإن كان هذا لا يعني أن الفن لا يقرأ الواقع، إنه يعيد تشكيله في متخيل سردي فني ولكن بلغته وخياله.
ثم قرأ القاص المصري شطبي يوسف ميخائيل قصة “خالة حنونة”، وكانت مداخلات عدة حول القصة التي حاول البعض أن يفسرها على أنها تحمل دلالات رمزية وتستخدم إشارات تراثية وبفضلها جسدت أفكارًا رائعة، ومن جانبه نوه د. منير فوزي إلى أنه يقرر روايات وقصص القاص شطبي في مناهجه الدراسية لطلاب كلية دار العلوم بجامعة المنيا منذ عام ١٩٩٤م، ويأتي به داخل قاعة المحاضرات ليلتقي مع الطلاب، وعدّد بعض الملاحظات على قصصه ورواياته ومنها قدرة شطبي يوسف كقاص وروائي في أسطرة المكان داخل ابداعاته، فهو يقيم في قرية ريفية اسمها نزلة الفلاحين بمحافظة المنيا بمصر وهو لم يغادرها قط، وقد شكل من معالم هذه القرية فضاء إبداعيًا متسعا ممتلئا بكل ما هو إنسانيّ، ومضفّرا على أبعاد هذا الفضاء الأساطير ، واستطاع أن يشكّل من البركة أو البحيرة ومن الأشجار والبيوت والقرويين ما يفوق الخيال ويحقق الدهشة والإمتاع.
وحول هذه القصة بالتحديد تحدث د. منير عن كتابة القصة في مصر بعد هزيمة 67 وكيف أنها توجهت إلى الكتابة الطفولة وعالم الطفل، وليس معنى ذلك أنها مكتوبة للطفل ، بل هي توظف الطفل ومرحلة الطفولة في مواجهة الإحساس بخطر التلاشي ، وهنا يتلذذ الروائي بهذا العالم البرئ المحمّل بكل جماليات القص أو السرد.
وقد كان للشاعر صبري يوسف مداخلة أشاد فيها بلغة القصة وجماليتها وتقنيتها السينمائية، كما تحدث الفنان العراقي حسن عمران الكيف عن كيفية تناول لغة القص من خلال الاستعانة بملمح التهكم ، وأثر ذلك في بناء القصة، حيث حقق الإثارة والتشويق، وكيف انعكس كل ذلك على مفردات واقعنا متشكلا في صور معبرة، ثم أكمل د. منير فوزي منوها إلى أن غياب البطل الفرد هنا، وتحول البطولة إلى مجموعة من الأطفال وكذلك للخالة حنونة أيضا، فهذه الشخصيات البسيطة المهمشة بدا فيهم الكثير من السحر، ومقومات بطولة الضد anti hero ، فالقصة تعتمد على سرد حدوتة مستعينة بالرموز الدالة في هذه القصة، ونوه د.منير على وجود تأتيرات تشيخوفية واضحة في قصص شطبي يوسف، وهو الأمر الذي يدفع لتساؤل ضروري: وهو كيف أن إبداع تشيخوف ما يزال حاضرا ومؤثرا برغم مرور سنوات طويلة على رحيلة، وتبدل أنماط الكتابة وطرق السرد؟
إن شطبي لا ينقل أو يكرر ولكن هنالك ملامح تشيخوفية واضحة جدا حتى في اختيار عنوان القصة:( الخال فانيًا) ( الخالة حنونة)، وقد بدا التأثير ممتدا إلى عالم البسطاء والمهمشين وظهر جليا في قصة القاص المصري شطبي يوسف ميخائيل.
ثم قرأ شطبي قصته الثانية وقد دارت أيضا حولها مداخلات نقدية مهمة، لعل أهمها دور اللغة في السرد وسلامة أدائها، ثم قرأت القاصة الجزائرية ( لندة كامل) قصتها “الشاطر”، وكانت عودة للدكتور منير فوزي مشرف الورشة حيث فتح باب النقاشات وعدّد بعض الملاحظات النقدية ثم طلب من ليندا قراءة قصة ثانية لجعل المتلقين يتعرفون أكثر علىًعالمها القصصي، وبعدها تم فتح باب النقاش الذي لامس العديد من قضايا القصة القصيرة ذات الأهمية، وكذلك تحدث كل مشارك عن إبداعاته وخاصة القصة القصيرة وقد امتدت الندوة لثلاث ساعات طويلة، غير أنها مع طولها لم نشعر بالملل وكان فيها إستكشافات مهمة، ولذا ادعوكم مرة اخرى لمشاهدة هذه الورشة.
وختم د. منير فوزي الندوة بالحديث والتأكيد على أن العالمية ليس معناها الذهاب لمدن مشهورة ولكن العالمية يمكن أن تتحقق للكاتب وهو في قريته أو مدينته متى كان إبداعه إنسانيا وخلاقا وهو ما فعله نجيب محفوظ ابن الجمالية والحارة المصرية الذي استطاع أن يصل للعالمية رغم مكوثه في حي شعبي في مصر.
وتحدث ضيف الشرف الفنان علي سلمان عن تجربته في مسرحة المناهج ودعا إلى ضرورة الاهتمام بالقصة القصيرة والمسرح من أجل نشر الوعي والثقافة.
انوه أننا سنكون معكم قريبا في ملتقى الإبداعات السردية في رحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح من 20 إلى 31 مايو المقبل وسيكون بمشاركة كُتاب وكاتبات القصة والرواية والمسرحية والسيناريو ونعتقد أن 28 ورشة وندوة أدبية ستكون مناسبة وفرصة هامة لهواة ومحبي السرد.