الفنان أحمد أبو سلعوم.. إمبراطور وفاكهة المسرح الوطني الفلسطيني
محمد زحايكة | جبل المكبر – القدس – فلسطين
ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة
منذ أن تعرف الصاحب على الفنان المسرحي الشامخ احمد ابو سلعوم وهو محتار وحيران في سبر اغوار هذه الشخصية المتدفقة عطاء وحيوية بلا حدود.. حيث كان الصاحب يتساءل بينه وبين نفسه ، من أين له هذه الطاقة ومن أين يستمد هذه الحيوية وهذا التدفق العفوي وامتاع الكبار والصغار على حد سواء، بشطحاته المسرحية المنعشة ودندناته ومواويلة وآهاته التي يحملها انغام عوده الشجي ليس على خشبة المسرح فقط بل في الازقة والحواري وشوارع المدن والقرى والمخيمات ، وهو الذي غزا صحراء النقب بموشحاته ومسرحه الشعبي السهل الممتنع وطوف في أرض البرتقال الحزين من رأس الناقورة شمالا حتى رفح جنوبا..؟
والحق ان المسرح الفلسطيني يرتبط في ذهن الصاحب إلى حد بعيد من خلال الفنان ابو سلعوم وزميله الأقرب اليه الفنان حسام أبو عيشة اللذين شكلا حالة مسرحية مدهشة وثنائيا متلازما لفترة طويلة حيث أن الصاحب تابعهما منذ ايام مسرحية ” ناطرين فرج ” التي تنبأت بالانتفاضة الأولى كما أشار بعض النقاد ، رغم ان تاريخهما المسرحي يمتد إلى فترة سابقة تصل إلى منتصف سبعينات القرن الماضي .
لا يمكن الحديث عن المسرح الوطني الفلسطيني المعاصر دون التعريج على هذا الفنان الأصيل صاحب الأخلاق الذهبية.. هذا المسرحي الشامخ المتألق على الدوام والمهموم بقضايا شعبه اليومية والمصيرية . وكان الصاحب شاهدا على حركته الدائبة في عالم المسرح وطالما شاهده يعمل بيديه في تأسيس مسرح الحكواتي ومسرح القصبة المجاور لاحقا ، يحفر الباطون والصخر والتراب وينقل الحجارة بيديه العاريتين حيث كان يعتبر المسرح بيته الأول وبيت العائلة بيته الثاني..؟؟
يعتبر إخلاص الفنان أحمد أبو سلعوم وتفانيه في المسرح شيئا مثيرا للعجب ، فهو من المؤمنين باهمية المسرح للشعوب والأمم الحية ، حيث انه مرآتها ويعكس مدى تقدمها ورقيها كما أنه سيد الفنون وابوها ، يمكن أن ينقلها إلى قمم المجد والرقي والشموخ والعزة ، اذا توفرت له الحرية التامة دون رقابة وقيود فهو سيد الوعي الكوني المهيمن اذا جاز التعبير .
ومن يراقب مسيرة هذا الفنان المبدع يكتشف انه اشتغل على نفسه وطور أدواته الفنية باستمرار ومارس إجمالا معظم أشكال المسرح والدراما التلفزيونية وغيرها الكثير الى درجة وصل فيها ، انه يتنفس المسرح وهو يغط في نومه العميق..؟؟
والصاحب يزعم أن الفنان أحمد أبو سلعوم من اكثر الفنانين المجتهدين والعصاميين الذين يمارسون المسرح ويأخذونه بجدية تامة ويسعى الى تحقيق هدفين عميقين وهما المتعة والوعي بذات الإنسان وقضاياه الكبرى .. فالانسان قضية في الأول والآخر .
من المستحيل الإحاطة بجوانب هذه الشخصية الثرية ودورها الرئيسي في قلب المسرح الفلسطيني ، فهذا بحاجة إلى دراسات مستفيضة وكتب وابحاث مستقصية ، بينما ومضات الصاحب هي فقط شرارة صغيرة تضيء على جوهر هذه الشخصيات المبدعة والمتألقة وليس اكثر من ذلك .
الفنان العملاق احمد ابو سلعوم.. استطاع ان يبني مسرحه الخاص وان يجسد رؤاه الفنية حيث بدا من الصفر وبإمكانيات متواضعة وجال في كل عرصات فلسطين وفي العالم اجمع ، ناشرا مسرحه الشعبي الجميل البسيط والقريب من قلوب الجماهير بعفوية وصدق واخلاص.. وعندما كنا نحن ، الاعلاميون نقصده لمشاركتنا نشاطا او فعالية ما كان يسارع الى تلبية الدعوة بكل سرور ويقدم مساهماته وتجلياته الفنية غير منتظر ، حمدا ولا شكورا ، رغم حاجته لأي شيء للحفاظ على مسرحه للبقاء والصمود ولكنه كان ينظر من جانب اخر إلى ضرورة البقاء والاشعاع في قلب الحدث ومع نبض الجماهير ومختلف الفئات والشرائح حتى تبقى تتنفس المسرح وتدرك عظمته في شحنها بالطاقات الإيجابية مما يقصر في عمر الاحتلال الذي هو لا بد الى زوال ولو بعد حين ..
الفنان أحمد أبو سلعوم.. فنان موهوب ، يدرك اهمية امتاع واسعاد الجماهير وفي نفس الوقت الرفع من وعيها وذائقتها الفنية ومساعدتها على ادراك طبيعة همومها وكيف يمكن لها التمرد على واقعها البائس من اجل حياة افضل ومستقبل يليق بالإنسان الذي كرمه الخالق الأعظم .
لنرفع قبعاتنا ونحني هاماتنا لهذه القامة الفنية الفلسطينية التي ما زالت تثري نهر الفن والمسرح الفلسطيني على طريق التحرير والحرية القريب بمشيئة الرب المتعال .