عن أحمد الذي انتحر: في غزة!! الحرب دائماً “ستاند باي”
خالد جمعة | فلسطين
إنها غزة، تلك المساحة الضيقة المحاطة بالبحر والبوارج، بالغيم والطائرات، بالأسلاك الشائكة والدبابات، بالحواجز العقيمة والجنود، باليأس أحيانا، وبالأمل أغلب الوقت.
ينتحر أحمد شاكر حبيب وهو في أواسط عشريناته، شنقاً، طريقة الانتحار ليست مهمة، ما يعني المدينة في نهاية أمرها أن أحد أبنائها غادر الحياة، ولم يكن ذلك بقذيفة أو رصاصة، كان قراراً شخصياً، بالتأكيد أنه ناتج عن الضرر الهائل الذي أحدثته آلة الأعداء في روح المدينة.
من يعرف غزة، يعرف أنها تستطيع الحياة بساندويشة من الأمل، وجرعة صغيرة من الوقود اللازم لرؤية الآتي، والموت له تعريفات كثيرة، مادية وفلسفية، وما يجمعها في النهاية هو تعريف: التوقف عن الحياة، سواء كان هذا التوقف إكلينيكياً، أو انعدام أسبابها، أو تلاشي الرغبة فيها.
أحمد نموذج، وليس حالة فردية، إنه انغلاق الأفق، إنه رؤيتك لوجهك في المرآة باكياً فيما الابتسامة هي ما يراه الناس في الخارج، إنه يأس أولادك وأخوتك الصغار من أي أمل في قطعة حلوى، أو في بيت آمن، فمن قال أن الحرب تضع آلتها جانباً حين تتوقف؟ في غزة الحرب دائماً “ستاند باي”.
لا داعي لنقاش الأسباب في حالة أحمد، ليس لأن تلك الأسباب غير مهمة، ولكن لأنها من الوضوح بحيث تلجم اللغة، فكيف تعرّف الحب مثلاً؟ الطفولة مثلاً؟ الرجولة مثلاً؟ جميعنا نعرف بعمق ما تعنيه هذه الكلمات، ولكننا نقف عاجزين عن تعريفها، وحالة أحمد مشابهة تماماً لهذه المعاني، وكل يأس يأخذ معه ضحيةً، سواء بالموت أو بكشف الغبار عن حياة ليست كالحياة.
إنه المكان الأكثر دماراً، والوقت الأكثر مأساويةً حين تصحو ذات يومٍ ـ إذا كنت نمت أصلاً ـ وتجد أن حلّك الوحيد لهذا النفق الذي لا نهاية له: هو أن تشنق نفسك.