قراءة نقدية في سيرة “احترَقَتْ لِتُضيء” للأسيرة المحررة نادية الخيّاط
قراءة: قمر عبد الرحمن | إعلامية وشاعرة فلسطينية
رغم خبرتي المتواضعة بتقديم القراءات لكنّي أشعر أنّ الإصدار الأول لكلّ كاتب، يكن تفريغًا لثقل الذّكريات بحلوها ومرّها، وربمّا لا يكون ثقلًا بقدر ما هو تزاحم الذّكريات على باب الذّاكرة للقفز على الورق بشكل لا إراديّ من الكاتب. ومن ثمّ يشعر الكاتب براحة كبيرة عقب الانتهاء من الإنجاز الأوّل، الذي يحمل الكثير من فرص التّطور والتّعلّم والتّحفيز لاستكمال المشوار الثّقافي الأدبيّ، ويسمح للكاتب رؤية أبعاد أخرى في الكتابة للإبداع في المرّات القادمة أكثر وأكثر.. وتحديد الصّفة الكتابيّة التي يميل لها أكثر.
ومن هذا المدخل أهنىء المناضلة الفلسطينيّة الكاتبة نادية الخيّاط على إصدارها الأوّل، الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية فكُتب السّيرة النّضاليّة مساهمة عظيمة من قبل أصحاب التّجربة لتوثيق جرائم الاحت…لال، وليكن (الأدب المقاوم للسّجون) تاريخًا موثّقًا نفتخر به ونعتز قبل وبعد تحرير فلسطين.
فأنا أعتقد أنّ استعادة شريط ذكريات السّنين لتوثيقها ضمن عملٍ أدبيّ، أمرٌ مرهقٌ جدًّا وخاصّة إذا كانت الذّكريات تصف ألمًا عشناه، وكابرنا على النّفس إظهاره لكي لا نرى تشفيًا في عيون العدّو الذي يحمل رُتبًا في اللّؤم واللاإنسانيّة.
فعندما نتذكّر ذكرى جميلة مرّت بنا نبتسم لها وللذّاكرة التي استدّعت تلك الذّكرى لإضفاء شيء من الإيجابيّة والتّفاؤل علينا؛ فكيف إن كانت الذّكرى مؤلمة، ومن داخل أقسى مكان في العالم -سجون الاحت…لال- من الطّبيعي أنّ التّفاعل مع الذّكريات المؤلمة أثناء توثيقها (الإحباط) بسبب كميّة الظّلم الواقع على النّفس آنذاك، وربّما (التّساؤل) عن كيفيّة تجاوز ذلك الألم والنّهوض من جديد؟ وربّما (البكاء) للتّنفيس عن الأوقات التي لم نبكِ بها لسبب ما، ولا أحد يضع حدًّا لهذا البكاء إلّا فكرة الصّمود والإصرار على البقاء المتلازم للوجع بتلك المرحلة في وجه أولئك الطّغاة حتّى نيل ما نريد رغم أنوفهم.
في “احترَقَت لِتُضيء” احترَقْنا جميعًا في مدّ وجزر الأحداث لنضيء بعظمة الصّمود الذي يحملنّه الأسيرات الماجدات، نشعر بالتّوتر حينًا من الاصطدام بقباحة أولئك القساة اللاإنسانيّين في التّعامل.. وبالانجذاب أحيانًا أخرى لقوّة التّحدي وبهجة الصّمود الذي لم ينطفىء حتّى نهايّة الكتاب.
رغم تسارع الأحداث لم تكن مملّة للقارىء، وعنصر الدّهشة كان حاضرًا في أغلب الصّفحات تقريبًا. تقسيم محتويات السّيرة إلى أجزاء يشجع على إنهائها بجلسة أو جلستين، ويساهم في تركيز أكثر القصص تأثيرًا بذهن القارىء.