الفنان حسام أبو عيشة.. دينامو المسرح الفلسطيني الذي لا يجارى
محمد زحايكة – جبل المكبر – القدس- فلسطين
ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة
من أكثر الفنانين المسرحيين المتألقين والمشعين الذين عرفهم واقترب منهم الصاحب هو الفنان الشامل حسام أبو عيشة الذي حول المسرح والفن المسرحي والتمثيل والتقمص خبزه اليومي.. وإذا كان ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان،. فإنه بالمسرح الواعي البعيد عن التهريج يرقى الإنسان وبكل كلمة جميلة منه ذات عمق ومغزى.
والفنان ابو عيشة وزميله ابو سلعوم هما من طينة وعجينة مسرحية مقدسية شكلا حالة متميزة وخلطة عجيبة من الثنائيات المبدعة، وساحا في الأرض الفلسطينية والعالم ينشران ما يفيض به عليهما المسرح من ألق وإبداع يصور ويجسد آلام الإنسان الفلسطيني المتألم والمقهور تحت نير الاحتلال من خلال العمل الدرامي المسرحي المؤثر وذا القدرة على احداث التأثير المطلوب وكسب التأييد والتعاطف العالمي مع قضية الشعب الرازح تحت الاحتلال .
ومنذ ان وعى الفنان ابو عيشة رسالته الوطنية والإنسانية جعل من المسرح على مختلف أشكاله اداته الرئيسية في نقل وتجسيد نبض الشارع والجماهير المسحوقة وتحويلها الى مشاهد تقطر صدقا وإبداعا ، موظفا مهاراته وقدراته ومواهبه الفردية و الذاتية في التعبير بسخرية سوداء عن واقع مر مؤلم يجب الثورة عليه وتغييره .
ورغم الإمكانيات المسرحية البسيطة ، واصل هذا الفنان الطامح طريقه الفني مجربا أشكالا فنية عديدة تألق فيها جميعا من التمثيل في المسرحيات الجماعية و الفردية المونودراما وشخصية الحكواتي وقرض الشعر العامي والكتابة المسرحية والدراما التلفزيونية وقدم الوانا مختلفة في الحقل الفني موظفا التصاقه ومعايشته اليومية للواقع الشعبي خاصة في البلدة القديمة من القدس وناهلا منه أفكارا شتى تعالج هذا الواقع الصعب والملتبس بطريقة واسلوب شيق وممتع وبسيط ولكنه مفعم بالحيوية ويلعب على وتر الحنين الى الماضي من أجل التقدم إلى الأمام وتحقيق الذات الجمعية وصولا الي ما هو أجمل .
الفنان ابو عيشة ، فنان نبيه و متيقظ للحركة المسرحية ليس محليا فقط وإنما على مستوى الإقليم والعالم وهو متابع جيد وقادر على تمييز الغث من السمين وهو معتد بنفسه وقدراته ومن المؤمنين باهمية المسرح الفلسطيني وكوادره الذين حققوا مواقع متقدمة على الخارطة المسرحية المحلية والاقليمية والعالمية رغم شح الإمكانيات وغياب اهم ناقل ومروج للمنتج الفني وهو شاشة التلفزيون والفضائيات الفلسطينية التي لا تنتج الا اقل القليل وفي بعض المواسم مما يحرم الفنان الفلسطيني من الاطلال على العالم العربي او حتى المحلي الا في أضيق نطاق .
وتمتلء جعبة الفنان ابو عيشة بالكثير من المواقف والحكايات النادرة والطريفة والتي لا يتسع المقام لذكرها ، ولكن نورد واحدة او اثنتين منها ، عندما سارع الى ارشاد حاج قبطي وزوجته الى مدخل خلفي لكنيسة القيامة بعد أن يأسا من إمكانية الوصول إلى الكنيسة بسبب الازدحام الشديد ، وما ان اوصلهما الى باحة القيامة تمت دعوته للمشاركة في الصلاة ظانين انه مسيحي ولكنه ابلغهما انه سيذهب للصلاة في المسجد المقابل ، فسارعا لشكره بشدة وهما يشيدان بالتلاحم والعلاقةالمتينة والاخوية بين الشعب الواحد من مسيحيين ومسلمين . كما ابلغ ابو عيشة الصاحب أن جارهم المسيحي في حارة السعدية من القدس الشريف كان أحد الذين علم ودرس والده القرآن الكريم..؟؟ لهذا الحد كانت العلاقة دائما وعلى مر العصور بين أبناء الشعب الواحد من الطائفتين ويجب أن تستمر كذلك الى ان يرث الله الأرض ومن عليها .
الفنان حسام أبو عيشة سطر لنفسه وضمن موقعا و مكانا سامقا ومرموقا في سفر المسرح الفلسطيني وأثبت مقدرته على التطور والتربع على سدة المسرح في كل المراحل والحقب وكأنه رقم صعب ، يصعب الاستغناء عنه . كما أنه واكب الحركة المسرحية الفلسطينية منذ البدايات وكون تجربة غنية وثرية ، تحصلت له من خلال العمل الفني الجاد والمثابر غير المنقطع حتى في أحلك الظروف .
ويمكن القول ان الصاحب كانت له إضاءات كثيرة على جوانب من أعمال هذا الفنان الدينمو الذي لا يهدأ ولا “يكن” وإنما يتقافز من عمل الى اخر واذا لم يجد عملا يشارك به فانه يلجأ الى جعبته الثرية ، فيستخرج منها جواهره الفنية ويدفع بها إلى مخرج فذ من أمثال الفنان كامل الباشا كما هو الحال في قهوة زعترة وكذلك مؤخرا مسرحية عرق نعنع عن تجربته في السجن الإسرائيلي ، لنكون امام عمل طازج ماتع يعيدنا الى ازمنة وامكنة جميلة ، فنتحسر على تلك الأيام الخوالي .
الفنان حسام أبو عيشة ، فنان مدهش مبهر متألق ، يتحدى نفسه وهو دائم القلق على فنه لا يقر له قرار الا بعد أن يلمس محبة وإعجاب الجمهور ولكنه سرعان ما يعود إلى القلق في العمل الفني التالي وهكذا دواليك..
كل التحايا للفنان حسام ابو عيشة ، دينمو العمل المسرحي الفلسطيني الذي خرج من عباءة الشعب وللشعب ومن حواري القدس العتيقة ساحرة الدنيا ..