الثقة مطلب شرعي
رحاب يوسف | تربوية وقاصة – طولكرم – فلسطين
الثقة أمرٌ وسطٌ بين رذيلتين، إما أن تعطي نفسك حقها، وإما أن تعطي الناس منازلها، فمشكلة الناس في الناس، تذهبُ و تُجري مقابلة للعمل، وأنت ترتجف وترتعد؛ لانك ألّهت ربَّ العمل، وعملقتَه، وضخمتَه، لم أجد دواء عميقاً للثقة مثل حسن الظن بالله، وإنزاله – سبحانه وتعالى – منزلته، يقول عز وجل: “وما قدروا الله حق قدره “ (الزمر 67)، بالغْ بحسن الظن في الله أولا، فمَن لنا غير الله ندعوه ويفّرج همومنا وكروبنا، يقول -سبحانه وتعالى – في حديثه القدسي: “أنا عند حسن ظن عبدي بي”، فالله لا يخذل من أمِن به، فكيف لا نحسن الظن به – سبحانه وتعالى – ونحن نعيش في ملكوته، وصاغ لنا تفاصيل حياتنا بعَجَبٍ عُجاب، وألقى فيها ما لذّ وطاب، ونحن في افتقار دائم إليه، ومَن للنفوس المتعبة إذا تعاظم كَربُها، وبدت لها الحياةُ سوداءَ حالكةً إلا أن تتعلّق بالله، وتحسن الظن به؟!
تجد الشخص حافظا للقرآن، لكنه لا يقرأ أمام الناس؛ لأنه يخاف من النتائج، يخاف أن يسخر الناس منه، مع أنه يمتلك الأسباب، وفي المقابل ترى تزاحُمَ الناس عند لعبة قطار الموت، لا يملكون الأسباب لكنهم وثقوا في النتائج، وثقوا في الشركة الصانعة لهذه اللعبة، لمَ تجد البعض يخاف من القيام بالأعمال التي تكون نتائجها بيد الله؟ إذن لديهم مشكلة مع الله، لا تخف كل الأمور بيد الله.
الثقة مطلبٌ نفسي! ستة أمراض تصيب الإنسان سببها الضغوطات التي يتحملها، ولا يستطيع التعبير عنها، فالتعبير عن المشاعر خليط بين توكيد وتقبل الذات، مَن تهتزّ ثقته لا يستطيع التعبير عن مشاعره!
سوسة تنخر في مَن لا يؤكد ذاته؛ يتحمل التجريح والإحراج، فيتجنب الناس ويعتزلهم حتى يتعافى، ثم يعود إليهم، ويتعرض مرة أخرى للتجريح والإحراج، فيبتعد ليتعافى مرة أخرى ولا يعود، فلا تُجهد نفسك في تقديم أعمال وتضحيات من أجل إرضاء الناس، أو من أجل كسب حب الناس وأنت تتألم، فاقد الثقة لديه افتراض على أن جميع الناس يجب أن يحبوه، وهذا خطأ!
ببساطة، تكلم إذا أردت، وقل (لا) إذا أردت، أي أن تمتلك الخيارين، والله – سبحانه وتعالى – يقول: “أشدة على الكافرين أعزة على المؤمنين“(المائدة 54)، المؤمن القويّ يمتلك كل الخيارات، فالرسول – صلى الله عليه وسلم – الذي نزل من على المنبر ليداعبَ الحسن والحسين، هو نفسه الذي قال: (اقتلوهم ولو وجدتموهم على أستار الكعبة).
التأثر بما يقوله الناس عنك! فالشعور بالحزن تجاه ما يقولون أمر طبيعي وفطري، والله – سبحانه وتعالى – يقول: “ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون“(الحجر 97)، فمن الطبيعي أن يضيق صدرُ المؤمن، لكن الضيق يجب أن يكون له شدّة ومدّة، فلا يمنعك من العمل، ومواصلة حياتك، ولا يُشعِرُك تجاه نفسك بالنقصان، ومن تصدّر للناس تصدق بعرضه، عليك التحمّل ما دمتَ ناشراً للفضيلة، ادع الله أن يرزقك أذنا تستمع، وعقلا يتّبع، وصدراً يتسع للحق، قال موسى عليه السلام: ”يارب، كفّ ألسن الناس عني”، قال الله عز وجل: ”ذلك شيء لم أكتبه لنفسي“، واعلم أنك إذا قضيت عمرك دون نقدٍ فإنك على الطريق الخاطئ.