فكر

إِشْكَالِيَّةُ الإِعْلَامِ الدِّينِيِّ: الوَلْسُ والتَّضْلِيلُ في كَبِدِ الشَّهْرِ الفَضِيلِ! (1)

د. آصال أبسال| كوبنهاغن (الدنمارك)

قبلَ حوالي ثلاثٍ من السَّنواتِ السِّرَاعِ، بلغني من صديقة حميمة رغبت عن ذكرِ اسمِها، هنا، وقد كانت تواجه أعتى الصعوباتِ في التواصلِ السليمِ والعالَمَ الخارجيَّ من حيث كانت تقيم إبَّانَئذٍ في ذلك الأوان العصيب.. بلغني أن الكاتبة الصحافية «القدساوية» الناشئة المدعوَّة، إحسان الفقيه، قد تمادت عن قصدٍ وعن عمدٍ أيما تمادٍ في حدِّ «الخيانة والإبطال» السَّافرَيْن لشرف الكتابة في المجال «الديني المسيَّس»، أو حتى «السياسي المُدَيَّن» (إن جاز القلب النعتي اصطلاحا، ها هنا)، قد تمادت فيهما في الأخيرِ حتى إلى حدِّ «الوَلْسِ والتَّضْلِيلِ» الأكثرِ سُفُورًا في المَأْتَاةِ، في كَبِدِ هذا الشَّهْرِ الفَضِيلِ، شهرِ رمضانَ هذا بالذاتِ، وبنحوٍ لا يُرضِي بالطبعِ إلا أسيادَها من طاقم المحرِّرين «القدساويين» المأجورين، في المقام الأول، وبنحوٍ ملازمٍ لا يُرضِي بذاك إلا أسيادَ أسيادِها من طاقم المُمَوِّلين «الخليجيين» الآجِرِينَ، في المقام الثاني.. وفي الحقيقةِ التي لا بُدَّ من قولها، هنا أيضا، لم تكن تروق لي، أنا شخصيًّا، فكرةُ الكتابةِ (النقديةِ) عن هكذا مجالٍ يخصُّ هكذا كاتبةً ناشئةً بتَّةً، لولا الإلحاحُ المستمرُّ من لدن تيك الصديقة الحميمة، وكذاك من لدن غيرها من شتى الصديقات المقيمات ومن شتى الأصدقاء المقيمين في أجزاءٍ متفرِّقةٍ من ذلك العالَمِ «المُكَوْرَن» أيَّامَئِذٍ: وهنَّ قارئاتٌ عديداتٌ وهم قرَّاءٌ عديدون حقًّا للعديد من الصحائف العربية، في الداخل وفي الخارج، بما فيها هذه الصحيفةُ المُسَمَّاةُ بـ«القدس العربي» ذاتًا.. ففي عهدها منذ أن بدأتْ بالظهورِ على سطح السطوح ناقلةً إنباءَ ما كانتْ تُؤمَر به في المجال المذكور قبل قليل، تستهلُّ الكاتبة الصحافية «القدساوية» المعنيَّة متنَ تقريرها الإنبائي بشيءٍ من الحديث النبوي «الشريف»، أو بشيءٍ آخرَ من حَدَثٍ عن فعلٍ، أو قولٍ، صادرٍ عن شخصية «مقدَّسة» من شخصيات التراث الأدبي «العفيف»، من جهة أولى، ثم تختتم ذاتَ التقريرِ الإنبائي بالعبارة القرآنية التي سَرْعَان مَا صارتْ لازمةً تكراريةً قهريةً لا يمكن الحيادُ عنها حتى في السرَّاء قبلَ الضرَّاء، من جهةٍ أخرى: «وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (يوسف: 21).. ممَّا يجعلُ المرءَ الفطينَ في هذا، في آخِرِ المطافِ، منذهلا أمامَ تقرير إنبائي «دينيٍّ مسيَّسٍ»، أو «سياسيٍّ مُدَيَّنٍ»، شبيهٍ إلى حدٍّ كبيرٍ بأيٍّ من تلك «الفرمانات» الاستعمارية التي كانت تبتدئ الخطابَ الموجَّهَ للناسِ (المستعمَرين) أنفسهم بالبسملةِ الحكيمةِ عن عَزْمٍ مسبَّقٍ، والتي كانت تُنهيهِ بدورها هي الأخرى بقبسٍ حقيقٍ، أو لصيقٍ، من آيِ الذِّكْرِ الحكيمِ عن تصميم حتى أكثرَ تسبيقًا، أيامَ الاستعمار الفرنسي، أو حتى الاستعمار الإنكليزي..

ومَا بين المستهلِّ والاختتامِ من هكذا تقرير إنبائي «دينيٍّ مسيَّسٍ» (أو قَلبه النعتي)، ثمَّةَ شيءٌ من متنٍ، أو من شبهِ متنٍ، لا تُذَكِّرُ «ميزاتُ» أسلوبهِ التركيبيةُ والمعجميةُ، وهي في جُلِّهَا مجرَّدُ أَنْسَاخٍ أو حتى سَرِقَاتٍ من هنا أو هناك، لا تُذَكِّرُ خلا بـ«ميزاتِ» ما كان قدِ اصطلحَ عليه ذلك السياسيُّ الفرنسيُّ، جورج كليمنصوه، سخريةً وتهكُّمًا مَوْزُونَيْنِ مُدَوْزَنَيْنِ بـ«اللغة الخشبية» Langue de Bois، وذلك إبانَ اندلاع الحرب البولندية-الروسية (السوفييتية) في بداية العام 1919 (أو هكذا يُظَنُّ، بعد نهاية الحرب العظمى في العام 1918).. وهذه اللغة الخشبية بالذات لا يستعملها في عوالم السياسة والصحافة والإعلام، وغيرها وغيرها، سوى مَنْ يحترفُ الكذبَ والنفاقَ حرفتَيْن متلازمتَيْن لكيما يستمرَّ اعتياشُه الماديُّ و/أو المعنويُّ كواحدٍ من أولئك الكَتَبَةِ الكَسَبَةِ الوُضَعَاء الحُقَرَاء الذين لا يجيدون من النقل، لا من العقل، من تيك العوالم إلا قولًا مدمَّسًا في سباخ الخيانة والإبطال الصَّارخَيْن وما يترتَّب عليهما من أقوالٍ مدنَّسةٍ في مستنقعاتِ «الوَلْسِ والتَّضْلِيلِ» الأشدِّ صَريخًا ممَّا قد يخطر، أو قد لا يخطر، على أي بالٍ من البالاتِ – فما بالُ حتى بَآلَةِ، أو بُؤُولَةِ، القولِ من هكذا كاتبةٍ صحافيةٍ «قدساويةٍ» دَيِّنَةٍ لاهَيِّنَةٍ، متحجِّبةٍ لامتعجِّبةٍ ممَّا هو حتى الأشدُّ الأشدُّ صَريخًا من صَريخِ حنجراتِ «الوَلْسِ والتَّضْلِيلِ»، وفي هكذا كَبِدٍ من شهرِ رمضانَ بالذاتِ، هذا الشَّهْرِ الفَضِيلِ.. فمثلًا لا حصرًا، في تقريرها الإنبائيِّ المعنيِّ صادرا تحت العنوان الاستفهاميِّ بنبرتهِ التذمُّريةِ اللافتة، «هل نحن عبيد الأمر الواقع؟»، تلجأ الكاتبة الصحافية «القدساوية» المعنيَّة إلى إيرادِ شيءٍ من حدثٍ من التراث الأدبي العربي «العفيف» الذي لا تستمرئُهُ ولا تستسيغُهُ، تحديدا، إلا أذواق أهل البلاط وأمثالهم وأشباههم بالذوات (حدثٍ يدورُ، هذه المرَّةَ، حولَ استخدامِ الإنسان، أو الحيوان، في غير مظنَّتِهِ أو مظانِّهِ طبعًا، وذلك بالإشارة إلى الأديبِ «الظريفِ»، أبي الحارث جمين، وهو الأديبُ المغمورُ، لكنِ المعروفُ بتقرُّبهِ وتزلُّفهِ للملوكِ والخلفاءِ، أيامئذٍ).. ثم تلجأ الكاتبة الصحافية «القدساوية» المعنيَّة ذاتُها، بالبناءِ على «أخلاقياتِ» هكذا شيءٍ من حدثٍ إلى التسربلِ عنوةً بسربالِ ذلك الداعيةِ الديني المدجَّج بالقول المبشِّرِ والواعظِ، لكنِ المُسَمْسِرُ بالاحترَافِ القَسْريِّ والمُشَمِّرُ عن سَاعدِ الجِدِّ بالإقحامِ الجبريِّ بينهما بكلٍّ من قضيةِ الشعب الفلسطيني خاصَّةً وقضايا الشعوب العربية عامَّةً، بأن «الرضا بالأمر الواقع»، والكلامُ المقبوسُ كلامُهَا، «ليس فقط غراسا استعماريا في نفوس أمتنا للقبول بما انتهت إليه خرائط المحتلين الغزاة، وترك النضال من أجل التحرير على غرار القضية الفلسطينية، التي يراد تصفيتها على هذا المبدأ، مبدأ الرضا بالأمر الواقع، لكنه كذلك حالة انهزامية أوجدتها الأنظمة المستبدة في وجدان الشعوب لوأد تطلعات التغيير، والرضا بمخرجات السياسات الاستبدادية»، ومَا شَابهَ ذلك من الاتِّجَارِ الفاقعِ (يُنْظَرُ تقريرُهَا المعنيُ، «هل نحن عبيد الأمر الواقع؟»، من إصدار «القدس العربي» 18 نيسان (أبريل) 2021)..

وفي كلِّ ما تنطقُهُ الكاتبةُ الصحافيةُ «القدساوية» المعنيَّة بالحرف التبشيريِّ والوَعْظِيِّ عن يقينٍ يكاد أن يكون مطلقا، ودونما استثناءٍ، فإن أنظمةَ الاستبداد والطغيان هذه، من المنظور المعنيِّ بطبيعةِ الحالِ، لا تعدو أن تكون تلك الأنظمةَ التي يتَّخذُها إرغاما بمثابةِ أنظمةٍ «عدوَّةٍ لَدُودَةٍ»، قلبا وقالبا، لفيفُ أسيادِها من طاقم المحرِّرين «القدساويين» المأجورين بالذواتِ، وبكاملِ اللزام والالتزام بأوامرِ لفيفِ أسيادِ أسيادِها من طاقم المُمَوِّلين «الخليجيين» الآجِرِينَ بذواتِ الذواتِ، كمثلِ أنظمةِ آل سعود في السعودية، وآل نهيان في الإمارات، وآل السيسي في مصر، وآل الأسد في سوريا، وغيرها من «الآلاتِ» المثيلاتِ والحليفاتِ من أنظمةِ «المسلمين من العرب (و/أو المستعربين)».. أما الأنظمةُ الاستبداديةُ والطغيانيةُ التي يتَّخذُها إرغاما كذاك أزلامُ كلٍّ من هذين اللفيفَيْنِ بمثابةِ أنظمةٍ «صديقةٍ حميمةٍ» (أو بالكادِ)، على النقيض، وعلى الأخصِّ، والحالُ هنا، تلك «الآلاتِ» النظيراتِ من الحليفاتِ-اللاحليفاتِ من أنظمةِ «المسلمين من غيرِ العرب (و/أو المستعربين)»، فتمكثُ مَكْثًا لامُسْتَقِرًّا في أيٍّ من كفافِ الترجُّح والتأرجُح بين صَفٍّ تعدُّديٍّ هَرَميٍّ من أطوارِ «الصَّداقةِ الحَمِيمَةِ» و«الصَّداقةِ اللاحَمِيمَةِ» و«العَدَاوَةِ اللالَدُودَةِ»، حسبما يقتضيهِ أَوْدُ الحالِ أو الأحوالِ المأمورِ بِهِ أو بها قبلًا، لكنْ دونما المآلِ إلى طورِ «العَدَاوَةِ اللَّدُودَةِ» بَتًّا، كما هي الحالُ في نظامِ (آل) الخامنئي (المخلَّفِ الصَّفَويِّ الشيعيِّ) في إيرانَ، من جانبٍ أوَّل، أو تمكثُ، في المقابل، مَكْثًا مُسْتَقِرًّا في أيٍّ من كفَّتَيِ الترجُّح والتأرجُح بين صَفٍّ ثنائيٍّ لاهَرَميٍّ من طَوْرَيِ «الصَّداقةِ الحَمِيمَةِ» و«الصَّداقةِ الجِدِّ حَمِيمَةٍ»، حسبما يقتضيهِ كذلك أَوْدُ تيك الحالِ أو الأحوالِ المأمورِ بِهِ أو بها قبلًا، كما هي الحالُ، هذه المرَّةَ، في نظامِ (آل) أردوغانَ (المخلَّفِ العثمانيِّ السنِّيِّ) في تركيا، من جانبٍ آخر.. وفوق ذلك كله، والأنكى من ذلك، فإن الكاتبةَ الصحافيةَ «القدساوية» المعنيَّة لا تنسى قطُّ أن تلفت الانتباهَ الإنذاري نصحا إلى ذلك السعي الحَرُون وراء الترغيب والتحبيب الزائفَيْن، ترغيبِ وتحبيبِ الفقراءِ والمعدمين خصوصا بهكذا «أمرٍ واقعٍ»، من لدن كلٍّ من معاشرِ مُحَوِّري الصحافة والإعلام وعبيدِ الحكام والسلاطين وأدعياءِ الفكر الانسحابي من جرَّاءِ تماديهم التحريفيِّ والتزويريِّ في تشويهِ وتشنيعِ «وجوهِ» الحقيقةِ، أو حتى ما تبقَّى أخيرًا من هذه الحقيقةِ من «وجوهٍ» – وهي بذلك تستشهد بالقولِ الشهيرِ المُسْتَشْهَدِ بِهِ مرارا وتكرارا على لسان الداعية المصري محمد الغزالي، في هذا الصدد: «كلُّ دعوةٍ تُحَبِّبُ الفقرَ إلى الناسِ، أو تُرضِّيهم بالدُّونِ من المعيشةِ، أو تُقنعهم بالهُونِ فى الحياةِ، أو تُصبِّرهم على قبولِ البَخْسِ، والرضا بالدَّنِيَّةِ، هي دعوةٌ فاجرةٌ […] وهي قبلَ ذلك كلِّهِ كذبٌ على الإسلامِ، وافتراءٌ على اللهِ».. بيد أن هذه الكاتبةَ الصحافيةَ «القدساوية» المعنيَّة بالذاتِ، في الآنِ ذاتِهِ، تنسى، أو تتناسى، ذاتَها كليًّا بوصفها بامتيازٍ واحدةً من أولئك المُحَوِّرَاتِ، مُحَوِّرَاتِ الصحافةِ والإعلام، وواحدةً من أولئك العبداتِ، عبداتِ الحكامِ والسلاطين، وواحدةً من أولئك الدعيَّاتِ، دعيَّاتِ الفكرِ الانسحابي كذلك، وبالأخصِّ من خلال استخدامها، لا بل استعبادها واسترقاقها، كبوقِ تحويرٍ وتدويرٍ في الصحافةِ «القدساوية» والإعلام «الأناضولي» في حدِّ ذاتيهما، وكبوقِ تطبيلٍ وتزميرٍ للسلطانِ العثماني الجديدِ أردوغانَ من أمامٍ وللخلافةِ العثمانيةِ القديمةِ من وراءٍ، وحتى كبوقِ دفاعٍ ذهانيِّ مستميتٍ عن ذلك الفكر الانسحابي «الإخونجيِّ» و«الداعشي» بكل أشكالِهِ الهلامية وبكلِّ تجلياتِهِ الظلامية!!..

[ولهذا الكلام بقية فيما بعد]

——–

ملاحظة هامة

هذه المقالات التي يتمُّ إعدادُها في مجال النقد الإعلامي والصحافي تحديدا إنما كانت، وما زالت، تصدر تباعا في المركز الإعلامي الفلسطيني المتميِّز، «الإعلام الحقيقي» Real Media، هذا المركزِ الكائنِ في حي الرمال من مدينةِ غَزَّةَ الأَبِيَّةِ بالذات.. ولكنْ، إذ يعترينا القلقُ الشديدُ والحزنُ الأشدُّ من هول القتل والدمار اللذين يُمَارَسَا بحقِّ أخواتنا وإخوتنا من الشعب الغَزِّيِّ الكُمَيْتِ الهُمَامِ من طرف أنجاس العدو الصهيوني الهمجي والبربري الإجرامي هو الآخَرُ على مدى ستة أشهرٍ أو يزيدُ من الزمان، يبدو أن مركز «الإعلام الحقيقي» هذا قد توقَّف عن إصدار موادِّهِ الإعلامية والصحافية حتى إشعارٍ آخَرَ منذ اندلاع «طوفان الأقصى» المُزَلْزِلِ في اليوم السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الفائت 2023.. وكلُّنا، في هذا، أملٌ وتطلُّعٌ وتشوُّفٌ على أحرَّ من الجَمْرِ في عودة هذا المركز الفريد إلى نشاطه المعتاد في المستقبل القريب – وإنَّهُ لَسَمِيعٌ مُجِيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى