العمل وزراعة الأمل
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
استضافت إحدى البرامج الإذاعية القديمة القارئ الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل، وعُهد إلى الكاتب الراحل أنيس منصور إعداد هذا البرنامج، فجلس إلى الشيخ ليتفق معه على ما يقال، وحدث خلاف بينهما على حياة القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل، حيث أشار الشيخ إلى شيء عجيب حيث إنه لم يمر بمتاعب في حياته ولا مشاكل من أي نوع، فكأنما قد أُعدّ له سُلَّماً يصعده بانتظام، أو أنه يقف على السلم، وهو يرتفع به إلى القمة. وحاول الكاتب الراحل أن يحث الشيخ على التحدث عن الصعوبات التي مرّ بها، وبالإصرار والصبر والاستقامة انتصر عليها، وبذلك يمثل نموذجاً لغيره يستشعر معه أن السبيل للتغلب على الصعوبات هو الصبر والاستقامة والإرادة والتمسك بالقيم الأخلاقية، فليس من المنطقي أن تكون حياة الإنسان خالية من المشكلات. وفي يوم التسجيل قال مصطفى إسماعيل صراحة: ما عندي مشكلة من أي نوع ولا في أي وقت، وعليه فقد حذف السؤال والإجابة.
شيء عجيب؛ من البشر أناس يولدون مشاكل، وآخرون يولدون حلولاً، ومن قناعات بعض الناس أنهم تعساء أبداً، وبعضهم سعداء أبداً، والتعيس تعيس من يومه، والسعيد سعيد من يومه.
وتقتضي الحكمة أن تكون هناك عظة وعبرة من المتعَبين في الحياة؛ فهم ليسوا عناصر متفردة في حياتنا وإنما يشاركهم متعَبون آخرون، يعانون وهم مع ذلك يأملون ويحققون ما يطمحون، والمشكلات في الحياة قَدَر كُتب علينا جميعاً، والقضية الآن ليست في وجود المشاكل من عدمها؛ إنما القضية في التعاطي معها؛ فبعض الناس لديه حساسية للمشكلات فيرونها ظاهرة جلية، وبعضهم يختلقها اختلاقاً؛ فيعيش في عالمها وتعيش في عالمه، ومن الناس من يتمتع بقدرة الشيخ مصطفى إسماعيل فلا يرى مشكلات في حياته، بل إنه يرى حياته سلسلة من النجاحات المتتابعة وسلماً يرتقي به إلى السماء، وهي قدرة عالية وُهبت لنذر قليل من الناس.
والقضية الأهم الآن هي الأمل الذي يبثه أمثال هؤلاء الذين ينعمون بحياتهم؛ إنهم لا يتوقفون عن العمل وزراعة الأمل، إن هؤلاء يُذكّرون بأسطورة الفتى “سيزيف” الإغريقية الذي حكم عليه بأن يدفع حجراً إلى أعلى الجبل، فيتدحرج الحجر إلى السفح فيعود “سيزيف” ليدفعه من جديد وهكذا إلى الأبد، وهو يقوم بذلك بمنتهى الهمة والحماسة، كأن لهذا العذاب نهاية، وليس له في الأسطورة نهاية. وإذا كانت الأسطورة تجسد عذابات “سيزيف” إلا أنه لم يُعذب كما أريد له، ولا أصيب بالملل كما فرض عليه، وإنما كان يعمل بإيمان من يعلم أن لكل شيء معنى وقيمة وهدفاً ونهاية.
موضوع جيد.