في فلسطين
د. أحمد جمعة | مصر
في فلسطين..
ماذا ستفعل الفتاة الشقراء
بعد أن خاطت جُرح حبيبها الجندي
بشعرها الحريري؟!
ماذا سيفعل الطفل الرضيع بثدي أمّه
بعد أنه تركته في فمه وجرت نحو القذيفة
تصدّها عنه؟!
ماذا سيحكي الجندي العائد من الحرب
بقدمٍ وحيدة لزوجته الطفلة
التي ما زالت ترسم في وسط البيت
مربعات الحجلة؟!
ماذا سيغني الوطن في قبور الشهداء
الذين لم نتعرف بعدُ إلى وجوههم؟!
ماذا ستعمل الأسلحة
بعد فناء سلالة الإنسان،
بعد أن تُهدر دماء الورود كافة؟!
°°°
في فلسطين..
فتاة بين نواح السنابل، بين نواح الرصاص
بين نواح اليتامى في المخيّمات
تغنّي للحمام
وتربّي في حجرتها يمامتين
وتردد: غدًا تتعرى الحرب من حقدها
غدًا تطير في الفضاء يمامتان
غدًا تصيرُ الرصاصة فراشة
تصير البندقية غصن زيتون
وتصير الطائرات حماما زاجلا عملاقا
يوصل رسائل العشاق
عبر القارات.
°°°
في فلسطين..
طفلان يتقاسمان الحزن، والدموع
يتقاسمان الخبز الناشف المغمّس بالجراح،
يتقاسمان دم الأحلام الذبيحة فوق صخرة القتل
يتقاسمان الصراخ الغارق في الوجع
لكن أبدًا لا يتقاسمان الحب
الحب في الحرب يتقاسمه القاتل والمقتول.
°°°
في فلسطين..
طفلانِ يهربان من يد القذيفة الممتدةِ لهما
يهرولان في اتجاه الغدِ الباكي
يختبئان تحت دبابةٍ عجوز
يتبادلان في صمتٍ الألم، والخوف
يتبادلان الصراخ عبر عيونهما
يتعبان، فينامان على نفسيهما
يتوسدانِ بندقيةً مستهلَكة.
°°°
في فلسطين..
جدةٌ تُلقِم حفيدها ثديها الهزيل
تلقِمه عجزها، وسنواتٍ من الرعب ال كان
من الرعب الكائن
من الرعب ال سيكون
تحكي له لينامَ عن أبيه
وكيف أن مجنزرةَ العدو ساوته بالرصيف
تقول: يا بني
الله خلقنا في أول الأمر بشرًا
ثم تطورنا لآلاتٍ فتاكة
للقتل، والدمار
الله قد أغمض عينيه مع أول قطرةِ دماء
الله بريء يا بني
فلا تدعهم يخدعونك باسم الله.
°°°
في فلسطين..
تمرُ الحرب تلو الحرب
ولا زالت تجلسُ فتاةٌ بين نواحِ القذائف
بين نواح الأرامل، بين نواح الأمهات
تغنّي لعروستها، وحصانها الخشبي
وترسم بعينيها في الهواء فارسًا
تردد: غدًا ترتدي البلاد فساتين عرسها
غدًا تعود الطيور كسيرة الجناح للديار
غدًا تفقس بيوض اليمامة
وأجري نحو فارسي على ظهر الحصان
غدًا يطيرُ في سمائنا الحمام.
°°°
في فلسطين..
تتبادل البنادق والدبابات أحاديث كثيرة
يقولون بأن هؤلاء الحمقى سوف ينتهون
كل هذه البلاد ستكون لنا
يقسّمون البلاد بينهم
تتعالى أصوات القذائف المجنونة
ويراقب حديثهم من خلف شاهدِ قبرهِ شهيدٌ
لا زالت في عينيه دموعٌ طازجة!