فن التعليق وصناعة الجمهور الافتراضي!
عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة (أوروك) العراقية
كان المعلِّق التونسي رؤوف خليف على مباراة (برشلونة وغرناطة) على ملعب (الكامب نو) معقل النادي الكتالوني في اسبانيا يشعل جو المباراة التي انتهت غرناطية بهدفين لهدفٍ واحدٍ مساء الخميس الموافق ٢٠٢١/٤/٢٩م. يهتف المعلِّق تعليقاً على خسارة برشلونة قبل نهاية المباراة: (تسونامي أندلسي على الموانىء الكتالونية) ! كنتُ أظنُ أنَّ أصوات المشجعين حقيقية لكنَّني انتبهت إلى خلو المدرجات من الجمهور بسبب إجراءات السلامة الصحية التي حرمت اللاعبين من معرفة ردود أفعال الجماهير، والنوادي من إيرادات التذاكر !
ما سر أصوات الجمهور، وصور المشجعين الوهميين على المدرجات الفارغة ؟
هي بصمة تكنولوجية قادمةٌ إلى المستقبل بقوةٍ بإضافة جمهورٍ افتراضيٍّ، وأصواتٍ افتراضيةٍ، بل إنَّ الدقة تصل إلى مواكبة هجمة الفريق على منافسه بالتشجيع المناسب،و الهتافات الملائمة، والاستهجان لحالات تضيّيع الفرص! ليس هذا فحسب بل تتيح هذه التقنية للمتابع الخيار في التحول من هذه الأصوات الوهمية إلى الأصوات الحقيقية في الملعب من صياح المدرب واللاعبين، وأصوات ركل الكرة على غرار طريقة خيار القناة الصوتية بالتحول من معلقٍ إلى معلقٍ آخر مفضل !
هذه التقنية ابتكرتها شركة فيزرت النرويجية التي تهتم بالتكنولوجيا والبث التلفزيوني، وقد استخدمت بعض خدع المونتاج والسينما لصناعة الجمهور الافتراضي !
ذكرتني هذه التقنية بما يسمى بـ(الضحك الصوتي) (Laugh track) الذي يعتمد على إضافة أصوات ضحكات الجمهور المسجلة إلى البرامج والمسلسلات الكوميدية، وقد ابتكرها مهندس الصوت الأمريكي تشارلز دوگلاس وطبقت سنة ١٩٥٠م، للتشجيع على الضحك، أو التنبيه على المواقف المضحكة فالمرء يضحك أكثر إذا وجد أنَّ هناك مَنْ يشاركه الضحك !
لا يخرج التعليق الكروي العربي عن نطاق مدرستين شهيرتين: الأولى المدرسة الانفعالية الأمريكية الجنوبية التي تعتمد على الصراخ، والإثارة العاطفية، وقد أخذ بها معظم المعلقين العرب ـ مع الأسف إلا القليل ـ والثانية المدرسة العقلانية الموضوعية الأوربية التي تعتمد على الهدوء، والمعلومات، وتحليل الأداء، وقد تطور فن التعليق بإضافة محللٍ فنيٍّ يستغل الثواني التي يتوقف فيها اللعب لتحليل بعض الجوانب الفنية.
مسيرة التعليق العربي الكروي شهدت تألق عددٍ من الأصوات كان لها التأثير الواسع في رفع مستوى المباريات، والثقافة الكروية خاصةً في لعبة كرة القدم على مدى أكثر من سبعة عقود مثل :أكرم صالح من فلسطين، وخالد الغول من الأردن، وعدنان بوظو من سوريا، وزاهد قدسي، و عبد الله الحربي، وعيسى الحربين، وفهد العتيبي من السعودية، وأيمن جادة، وحفيظ دراجي من الجزائر، وعصام الشوالي، ورؤوف خليف من تونس، و محمد لطيف، وعلي محمد علي، وأحمد الطيب، وأيمن الكاشف، ومدحت شلبي من مصر، وجواد بدة من المغرب، وفارس عوض، و عـلي سعيد الكعبي من الإمارات، وحازم الكاديكي من ليبيا، ويوسف سيف من قطر، وخالد الحربان، وحمد بو حمد من الكويت. ومؤيد البدري، ورعد عبد المهدي، وشدراك يوسف، وعلي لفتة من العراق.
لم تأخذ هذه الأسماء حضورها القوي إلا بعد رحلةٍ طويلةٍ من الحفر بالصخر، والاجتهاد، والتثقيف الذاتي، ومع ذلك يوجه إليها النقد لأنَّ أصحابها لا يكتفون بالتعليق على ما يجري في الملعب، بل يعملون في الغالب على إصدار آراء خاصة بالحكام، أو ينحازون لفريقٍ دون آخر، أو يؤلبون الجمهور ضد مدربٍ، أو لاعبٍ، أو حكمٍ، أو يستعرضون معلوماتٍ غير ذات فائدةٍ !
هذا مع الأسماء العريقة، فكيف يكون الحال مع معلقين يعتمدون على الصياح، وذكر أعياد مواليد اللاعبين، وقراءة أبيات من الشعر الشعبي، مع اضافة أهازيج !
لقد عشنا زمناً كنا نستمتع فيه بمتابعة المباراة عن طريق المذياع، وهذا يدل على الأهمية الكبرى لفن التعليق الذي لم يملأ فراغه كل الخيارات التي أتاحها لنا عصر الفضائيات، والشبكة العنكبوتية .
هل جربتَ أن تلغي المؤثرات الصوتية من المباراة، وقستَ تفاعلك معها ، واحساسك بها؟
يقول المعلق رؤوف خليف في حوارٍ معه على موقع (الهداف في ٢٠١٣/٤/٢٩) : [أصل كرة القدم هو الجمهور، ولما يغيب هذا الأخير لا يمكن لأي لاعبٍ أن يمنح ما لديه، ويمكنك أن تتخيل مثلاً “كلاسيكو” إسبانيا بين الريال و”البارصا” بدون جمهور ؟ طبعا لن يكون للمباراة أي متعة أو أهمية]
ويرد على اتهامه بالميل إلى الدوري الإيطالي بالقول :
[ لا أوافق على هذا الكلام، صحيح أني كنت مدير مكتب الجزيرة في ميلانو لتغطية البطولة الإيطالية، لكن هذا لا يعني أني أعتبرها الأفضل بل علينا أن نكون واقعيين، بالنسبة لي البطولة الإنجليزية هي أقوى بطولة في العالم متبوعةً بالبطولة الإسبانية الممتعة جداً، أما “الكالتشيو” فأعتبره الأفضل والأقوى على الصعيد التكتيكي، كما يجب أن أنوه إلى التألق والصعود التدريجي للبطولة الألمانية، لكنَّ الكرة الإيطالية تبقى دائماً من الثوابت العالمية] ، معللاً سيطرة ناديي برشلونة، وريال مدريد على صدارة الدوري الاسباني بالأمور التجارية والمالية.
يضيف : [البطولة الإسبانية هي بطولة الناديين (برشلونة وريال مدريد)، بدليل أنَّ الفرق في النقاط بين الثاني والثالث في “الليغا” دائما يصل إلى ٢٠ نقطة وهذا أمر غير معقول، لكن تبقى حقيقة الأرقام المالية والتعاملات الكروية داخل المنظومة الإسبانية تؤهل هذه البطولة للتألق، رغم أنها تملك عملاقين فقط يمثلونها في المحافل الدولية لكنهما يمنحانها دافعاً كبيراً للمتابعة الجماهيرية] .
لكنَّ السؤال الذي لم أستطع أن أجد له جواباً هو : لماذا يخلو التعليق الكروي من أصواتٍ نسائيةٍ !؟