الإسراء حروف رجاء تعرج للسماء

هلال الشيادي | مسقط

تمضي الحياة ذكرى وفي بعض الذكريات انبثاق نوراني متوهج من زمن النقاء والمجد، وللذكرى حديث يخاطب الروح، ولذكريات النبوة شدو يمتع القلوب ويبهج النفوس.

صفحة من الماضي الجميل تفتحها ذاكرة الزمان إلى حيث المصطفى متكئا على كرمة عنب يستحضر آلامه ويحضّر آماله، يخاطب الرمل عن أساه ويناجي السماء يقتبس المواساة وفي داخله حزن عميق على عناد قومه وإصرارهم على ضلالهم.

وحزن عميق يعتلج فيه على فراق زوجه الحبيبة الى قلبه خديجة بنت خويلد، دثرته من بعد خوف، وزملته من بعد حزن واعتنقته دينا وروحا وحضنا، حيث بقي وحيدا والوحشة تلتهب في صدره وصورة عمه أبي طالب أخذته بعيدا إلى حيث للجوء معنى وللاتكاء مبنى، وفي غمرة حزنه تتطاير حروف الرجاء تعرج للسماء، وتتصاعد روحه إلى العلياء حيث الحبيب الذي ما ودعه وما قلاه رغم أن ليل الأسى يغشاه، ووعده بنور ضحاه وأن أخراه خير من أولاه، ولسوف يحظى بعطاء الله فيرضاه.

وهناك ارتفعت للسماء حروف اللجوء، وسطور الحب، ومعاني الاتكال واليقين، لتشرق السماء بدعوة شقَّت ليل الأسى ودجاه، وكسرت قيد الحزن وما قاساه.

اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي , وَقِلَّةَ حِيلَتِي , وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ , يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ , أَنْتَ أَرْحَمُ بِي مِنْ أَنْ تَكِلَنِي إِلَى عَدُوٍّ يَتَجَهَّمُنِي ، أَوْ إِلَى قَرِيبٍ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي , إِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيَّ غَضْبَانًا فَلَا أُبَالِي , إِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ ، أَوْ تُحِلَّ عَلَيَّ سُخْطَكَ ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ ” .

إنه الحب الحق، والود الأوثق واليقين الأصدق، إنه درس الصبر الذي تعلمت منه الجبال وفهمت معناه البحار وحملته إلينا السحب الثقال؛ لتشرق الأرض بنور ربها وسناء هدية السماء العظيمة هدية التسرية والترقية، إنه الإسراء متجليا في الأمة درسا للعزم وكتابا للصبر، ومعلما للرحمة، ونبراسا للعطاء.

تتأهب مكة لتودع في قطع من الليل بدرها المنير؛ ليذهب راحلا عنها إلى الأرض التي بارك الرحمن حولها من بيت الله الحرام إلى بيت جمع ملائكة السماء في أرض البطولة والإباء والعزة والوفاء.

أسرى به الله ليتوقف الزمان انحناءً لهذا البدر الساري وينذهل الليل اندهاشا من هذا النور الدري وللنجوم حديثُ غيرةٍ.

إنه نجم أسرى به الله من حرم إلى حرم ثم طار للسماء في معراج يتحدى به سمو الكواكب والنجوم ؛ ليبقى لنا نجما نهتدي به؛ وكوكبا نعيش على هداه، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين في كلّ حين وحين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى