الأساطير والحكايات الشعبية والموروث في أدب الأطفال
ساهرة رشيد | بغداد
عند البدء بالكتابة يتبادر الى أذهاننا بعض الاسئلة ومنها تبدأ رحلة البحث عن المعلومة ومن هذه الأسئلة ماهي الأسطورة والخرافة والموروث الشعبية وماهي الأسطورة ومتى ظهرت وكيف تناقلت إلى أن وصلت إلينا.
لابد لنا أن نوضح ونعرف الأسطورة والخرافة والحكايات في الموروث الشعبي والفرق بينهم حتى نستطيع أن نبدأ بهذه الدراسة المتواضعة
تعرف الأسطورة (بالإنكليزية: Myth) هي شكل من أشكال الأدب الرفيع، وهي قصة تقليدية ثابتة نسبيَّا مُصاغة في قالب شعري يساعد على ترتيلها وتداولها شفاهه بين الأجيال، وهي مقدسة ولا تُشير إلى زمنٍ مُحددٍ بل إلى حقيقة أزليَّة، من خلال حدث جرى، وهي ذات موضوعات شمولية كبرى، مثل الخلق والتكوين وأصول الأشياء والموت والعالم الآخر،
والأسطورة باعتبارها أسطورة قديمة ،فهي قصة، أو حتى حكاية من التاريخ القديم الذي يستخدم لشرح حدث طبيعي وخصوصا باستخدام كائنات خارقة أما الخرافة كما يعتقد بأنه أحد التأثيرات الخارقة للطبيعة أو أحد الممارسات بدون أي أساس.
أقدم الأساطير اليونانية مدونة في اللوح الطيني من أقدم الأساطير
الذي يعود تاريخها إلى عهد الحضارة المسينية التي بلغت ذروتها خلال الفترة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد.٠
فكرة الاسطورة
كانت تدور حول الآلهة و صراعاتها مأخوذة من (Mutho) وتعني حكاية تقليدية عن الآلهة و الأبطال. هذه الحكاية تتحدث عن الآلهة و أعمالهم و نشأتهم ، وهي من اجل هذا المعني اتخذت قديمًا من اجل تفسير كل الظواهر الغير مألوفة.
وظف أديب الاطفال جاسم محمد صالح الحكايات الشعبية والاساطير والروايات والمسرحيات ليوكد مفاهيم الانتماء للوطن غرس روح المواطنة في ذهن الاطفال والفتيان على حداً سواء من خلال تعميق الفكرة وزرع الأحداث وتشذيبها وتقريبها من ذهن وعقل الطفل.
واستطاع اديب الأطفال جاسم محمد صالح أن يتعامل مع شخصيات قصصه ومع نفسية الطفل بذكاء وحكمة وهذا ليس بجديد عليه وهو المربي الذي قضى اكثر من ثلاثين عالما في التدريس وتأليف المناهج التعلمية , فقد استحوذ على انتباه الاطفال وقد كان موفقا وناجحا في هذا المجال, فقد قدمت العديد من الروايات التي تعتمد على الاسطورة والموروث الشعبي وكان دائم يدعو الى من خلال تلك القصص الى حب الوطن والمواطنة ليجعل من الطفل مواطن صالح يفيد نفسه اولا ومن ثم يقيد الوطن ولنأخذ مثل رواية ملكة الشمس للكاتب جاسم محمد صالح، وفكرة الرواية في الأصل أسطورة يابانية لا تتجاوز الأسطر وقد استطاع الكاتب فهم وتعميق الفكرة وزرع الأحداث كما تمكن من تقريب احداثها من واقع الاطفال العرب
وتجنّب الأديب صالح الأشياء التي لا تتلاءم مع بيئة ومعتقدات العراق كتعدد الآلهة والغيبيات التي تشكل جوهر الأسطورة. وقام بتطوير الأحداث وإعادة صياغة فكرة ومضمون الأسطورة وقدمها, بشكل جديد للطفل العراقي حيث أضاف للأساطير اليابانية أسطورة بنكهة جديدة. وعندما عرضت رواية (ملكة الشمس) على الكاتبة اليابانية سائوري, اثناء تواجدها في العراق حيث أعجبت بالرواية والنص العربي باعتبارها تجيد اللغة العربية.
أديب من العراق يضيف لليابان أسطورة
ورواية ملكة الشمس التي اقتبسها من الأدب الياباني وأعد صناعتها وترميمها وصياغتها وقدمها بأسلوب تربوي جديد للأطفال يتناسب مع القيم التربوية التي نؤمن بها ونعمل على غرسها في الطفل، وقد ألقت بالإنابة عنه محاضرة في مكتبة مجلس النواب الياباني بعنوان (أديب من العراق يضيف لليابان أسطورة). وتتحدث روايته ملكة الشمس عن رجل كبير طاعن في السن عاش وزوجته عمراً كبيراً ولم يرزقا بأطفال، وبعد دعائهما استجاب الله لهما ورزقهما بثلاثة أبناء وابنة واحدة ومن بين الأطفال ظهر أبن سيء حاول أن ينشر الشر بالعالم فتعاون أخوته جميعاً على إيقافه وتقويمه والعمل على نشر المحبة والسلام بين أطفال العالم، وكانت هذه الأسطورة تعزز مفهوم المحبة والسلام والأخوة بين شعوب البشر.
أشخاص الرواية او الاسطورة بمجملها هي الشمس والقمر والرياح والغيوم والأشجار والحيوانات والطيور، وأهميتها في حياة الطفل في حبه للحياة وطبيعتها، وهدف الرواية الى ان يسود التفاهم وأن يعم التعاون. يعتبر الموروث الشعبي جزءاً مهماً من تاريخ وثقافة الشعوب، فهو الوعاء الذي تستمد منها عقيدتها وتقاليدها وقيمها الأصيلة ولغتها وأفكارها وممارستها وأسلوب حياتها الذي يعبر عن ثقافتها وهويتها الوطنية، وجسر التواصل بين الأجيال، وإحدى الركائز الأساسية في عملية التنمية والتطوير والبناء، والمكوّن الأساس في صياغة الشخصية وبلورة الهوية الوطنية
ونعرف التراث أو الموروث هو ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرة من الماضي ونهجا يستقي منه الأبناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر إلى المستقبل
والموروث الشعبي عباره عن قصائد وقصص وفنون وعادات .. الخ ورثها الابناء من الجيل القديم وسميت بالشعبية لا نها اتصلت بحياة العامة.
لذلك اولى الاديب جاسم محمد صالح اهتماماً كبيراً للتراث والموروث الشعبي، وذلك لأهميته، ليس في الحفاظ على العادات والتقاليد أو التاريخ أو إظهار منجزات والأجداد والسلف الصالح فحسب، وإنما لأنه يعزز قيم الولاء والانتماء إلى الوطن، لذلك حرص صالح على تعريف الأجيال بالموروث الشعبي والتراث الثقافي الغني والمحافظة عليه، وتعزيز دوره في ترسيخ القيم والهوية الوطنية.
إن الاهتمام بالموروث الشعبي والتراث عموماً أمرٌ ليس جديداً على اديبنا، ولا هو من قبيل الترف، ولكنه اهتمام أساسي، حيث يمثل هذا الموروث عنصراً رئيسياً ، وهو جزء لا يتجزأ، من تكوين الشخصية.
حرص اديبنا على يقدمها ليلوح من بعيد وبطريقة غير مباشرة لحب الوطن بسلوب مختلف وابطال مختلفين , تارة نرى الغابة هي الوطن وتارة اخرى نرى الارض والدفاع عنها هي الوطن , واخرى نرى المدرسة والبيت هما الوطن . فيحاول ان يقدم لنا الابطال دائما ليهذب سلوك الاطفال المشاغبين منها ليقتدوا بأبطال القصص والروايات , فشخصية الطفل دائما تبحث عن قائد او قدوة , فالتقليد والتمسك بشخصية البطل الشجاع او القائد الشجاع غالبا ما يكون منهم ويعيش معهم وبينهم ويفهم معاناتهم , وهذا هو ديدنه في التعامل مع بثّ وزرع وغرس الروح الوطنية لديهم وهدفه الاول والاخير أنهل من تراثنا العراقي كل ما هو مهم ومفيد وأن أقدمه للطفل بشكل تربوي مناسب ، فقد كتبت (رواية الخاتم) وهي رواية عن الفتى (لبيب) لذي كان صادقاً وأميناً ومخلصاً في عمله… يحب الناس ويقدم لهم كل ما يحتاجونه بأقل الأسعار ، لأن (لبيب) كان يعتقد بأن حب الناس مهم في هذه الحياة ، لكن سلوكه هذا أغضب التاجر الجشع الذي لا هم له سوى السحت الحرام والربح الباطل ، هنا حدث صراع بين الخير (لبيب) والشر (التاجر الجشع والطماع) مما أدى بالتاجر إلى اختطاف (لبيب) بأسلوب ملتوٍ وسجنه في قبو مظلم ومن ثم إجباره على حياكة الملابس ليبيعها التاجر ويربح منها الثمن الوفير… وصادف أن نظمت مسابقة لاختيار أفضل نساج في المدينة وكانت الجائزة كبيرة، هنا وبدافع الطمع أجبر التاجر الجشع (لبيب) على أن يحوك له قطعة قماش رغبة في الحصول على الجائزة.. لكن الذكاء المفرط لدى (لبيب) دفعه لأن يكتب عنوانه ومكان سجنه على تلك القطعة من القماش مما أرشد الناس إليه فأنقذوه من سجنه وعاقبوا التاجر الجشع على سوء فعلته … هنا كان انتصار الخير على الشر نتيجة حتمية وهي سر ديمومة هذه الحياة.
هذه الحكاية الشعبية تحببنا إلى الخلق القويم والتضحية ونكران الذات وهذا ما كان عند (لبيب) وتكرهنا إلى الجشع والطمع والبخل وهذا ما كان عند التاجر (دانيال)… وضمنياً تؤكد لنا روايته هذه أن الطمع القاتل يؤدي بصاحبه إلى التهلكة , وهذا ما حدث للتاجر(دانيال) الذي رغب في الحصول على الجائزة … إضافة إلى أن هذه الحكاية تجلُّ العقل والإبداع وتعتبرهما سلماً للنجاح في هذه الحياة ووسيلة للتخلص من المواقف المحرجة والخطرة، وهذا ما تبين لنا في ذكاء (لبيب) حينما حاك عنوانه وقصة اختطافه كلها على قطعة القماش ,حيث أدى عمله الذكي هذا إلى إنقاذه من براثن التاجر الجشع(دانيال) .
أكدت القصة على أهمية العقل والذكاء لدى الإنسان , مما تولد حوافز تربوية لامتلاكهما , إذ يمثلان طريقا للنجاح في هذه الحياة ذات المتغيرات والتجاذب … مما يجعل الطفل أكثر قرباً من التعلم وأكثر حباً لكل ما هو جيد ومبدع… فالمهارة في الحياكة هي ذكاء والذكاء هو وسيلة للنجاح .