ذكريات اللقاء مع بلدياتي القبطية في بغداد .. ولماذا بكت في الشارع؟
جمال أمين همام | كاتب مصري
كنت في رحلة عمل إلى العراق بدعوة من وزارة الإعلام العراقية في زمن صدام حسين .. وكان من ضمن برنامج الزيارة سهرة في الاتحاد النسائي العام العراقي وقت ان كانت رئيسته السيدة سوسن العبد الرزاق وهي النسخة النسائية من صدام حسين في قوتها .. وعندما وصلنا إلى مقر الاتحاد كان عند المدخل تقف مجموعة فتيات يوزعن الورد الاحمر على الضيوف .. تقدمت نحوي فتاة انيقة مبتسمة واهدتني وردة فشكرتها و تحدثت معي لدقائق قليلة جدا بلهجة خليط بين المصرية والعراقية .. ثم بدأ الاحتفال بكلمة من السيدة سوسن العبد الرزاق .. ثم تحدث الرفيق علي حسن المجيد الأخ غير الشقيق لصدام حسين وكان لقبه علي الكيماوي حيث يقال انه هو مهندس عملية ضرب الاكراد بالكيماوي آنذاك .. ثم توالت الكلمات وبعد الانتهاء من الكلمات الرسمية للمسؤولين خرج علي حسن المجيد وبدأ الاحتفال الموسيقي والغنائي وكانت البداية برقصة الدبكة العراقية وهي تشبه ذكر الصوفية في الريف المصري .. شعرت ان وجودي ليس اهمية حيث لا اجيد الرقص ولا افهم كثيرا في الغناء العراقي فقررت الانسحاب وخرجت من الباب الخلفي لقاعة الاحتفال والتي هي مدرج كبير على طريقة مدرجات الجامعة ..
تبعتني فتاة الورد وزميلة لها .. عند الباب سألتي : الاخ مصري ؟؟ قلت نعم مصري .. قالت وانا مصرية الأصل عراقية الجنسية وانا قبطية من قرية مصرية اسمها قرية البطاخ .. قلت لها نحن اقارب .. قالت إزاي اقارب وانا قبطية وانت مسلم ؟ قلت لها ان كلمة قبطي معناها مصري وشرحت لها كلمة قبط وكلمة ايجبت التي هي اسم مصر .. ثم قلت لها انتي بلدياتي فقرية البطاخ بجوار بلدي وتابعة لمركز بلدنا وانا درست فيها المرحلة الإعدادية ولي مدرسين واصدقاء وزملاء من البطاخ .. وذكرت لها مدرسة اللغة الانجليزية الاستاذة ماتلدة نصري بشير والاستاذ صبري عزيز مدرس المواد الاجتماعية .. قالت ايوة اعرفهم وهم اقاربي .. وقالت اختي متزوجة في مصر الجديدة واختي الثانية متزوجة في المنيا . وانا مش عارفة اخرج من العراق حيث كان صدام حسين منع العراقيين من الخروج العراق وقالت ابي جاء إلى هنا مهاجرا وحصلنا على الجنسية العراقية .. وارجوك سلم لي على البطاخ .. ثم مسكتني من يدي وقررت اخذي إلى بيتهم .. وانخرطت في نوبة بكاء شديدة .. قلت لها من فضلك اتركي يدي وكفاية بكاء لاننا في الشارع وربما يظن الناس انني اخطفك .. ثم هنا الهزار الخفيف من عدي وقصي بالكلاشنكوف .. اتفضلي رقم غرفتي في فندق شيراتون عشتار ويكلمني والدك والتقيه ثم اذهب معه إلى البيت .. اقنعتها بذلك وتركت يدي واخذت تكفكف دموعها . وقد كلمني والدها والتقيتهم وكان الحنين سيد الموقف في لقاء الاقارب .. وشعرنا كلنا بأننا اقارب وبلديات .. فكل المصريين سواء بسواء ولا فرق بين مسلم وقبطي امام مصريتتا وأمام الحنين إلى الوطن وأمام المواطنة التي هي القاسم المشترك بين المصريين جميعا.. انها مصر وانهم المصريين .. وتحية إلى هذه الفتاة وأسرتها وتحية إلى مصرنا العزيزة .. وكل عام هم جميعا بخير ..