لا أحدَ كبيرٌ على الفتنة
د. أسماء السيد سامح | مصر
زُليخة عشِقت “يوسف”..! بل تغلغل العشق داخلها، بنصِّ كلام الله جل جلاله: “قد شغفها حُبا” والشغف من أعلى مراتب الحب، تربَّصت به، وتهيأت له، ولاحقته بكل ما أوتيت مِن جاهٍ وجمالٍ وسلطان، لم تسجن مشاعرها، أو تكبت عواطفها، بل فكرت في طرح خُصلات شعرها أرضًا، وخلع ثيابها المُطرزة الثمينة، وراحت تتنازل عن شأنها العالي الرفيع، فقط مِن أجل رجُلٍ أذهب بالحُب عقلها..
أذنبت، ثم قال الله لها على لسان العزيز “واستغفري لذنبك”، في لحظتها، كي لا يتجمد رصيد فضائلها عند خطأ بعينه، أو لزللٍ بشرى وارد، ولكن بلا تجريح، أو إهانة، مع مُراعاة عدم الاستخفاف بالذنب، لم يُصدر عليها القرآن حكما قاسيًا يصفها أنها امرأة هوائية، شيطانية تسعى للرذيلة، بل جمعها الله مع “يوسف” النبي في آية قرآنية بديعة: “يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك”..
ثم من أقصى مدينة التماس الأعذار، خلق لها مُبررًا يُخفف حدَّة اللوم والعتاب عنها، فأخذ في سرد حكاية أخرى، ليست بذات أثرٍ بالغ في الأحداث؛ استدعت النسوة اللاتي يذكرنها بالمُنكر، وأدخلت عليهن “يوسف”، فارتبكت النسوة ومررن بلا وعيٍ السكاكين على أيديهن من جلالته وهيبته، فأصبحن في الانبهار بـ “يوسف” شُركاء..
إذن ليست مشكلة امرأة العزيز وحدها، ليس لأنها امرأة ذات عواطف جياشة، أو أنها أخلاقيًا تهوى الفساد، أو – لا سمح الله – أنها كذا وكذا.. لا، بل لتُثبت لهن أن ما قد يُبتلى به المرء يكون رغمًا عنه، وأنه لا أحدَ كبيرٌ على الفتنة، والوقوع في الخطأ، وأنه لا أحدَ بيده العصمة مِن الذنب أو الزلل!..
أمَّا “يوسف” كان حييًا، لم ينتهز الفرصة ليُثبت أدبه، أو يُعلي شأنه، أو يُعزز مكانته، أبدًا.. بل بكل ما أوتي مِن ضعفٍ بشري أعلنَ ضعفه أمام مكر النساء، وحيلهن للوصول لهدف ما، فراحَ يُناجي ربه: “وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن”، أي أنه كان مِن الوارد، ولو بنسبة ضئيلة جدًا أن يستجيب لهن “يصبُ” لما يدعونه إليه..
لذلك.. كلٌّ منا له أخطاؤه، وليس فينا أحدٌ معصوم، فإن رأيت عاصيًا.. سل الله له الهداية، ولقلبك العافية والسلامة، واعلم أن “كل بني آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائِين التوابون”؛ فلا تتصيدوا للناس الأخطاء، ولا تمحوا ألف جميلٍ لشخصٍ مُقابل نزوة عابرة وأنتم تعلمون أنه نظيف، و”أنه مَن تاب تاب الله عليه” فاللهم تُب علينا لنتوب.