أوهام الحرب الأهلية
سهيل كيوان | مجد الكروم – فلسطين
ما حدث في الأسبوع الأخير في المدن “المختلطة” يُظهر بوضوح، ما هي إستراتيجية الجناح اليميني المتطرف في الحركة الصهيونية المعاصرة.
ففي الوقت الذي رأى فيه جانب ليس قليلا من قادة الحركة الصهيونية، بأن وجود العرب الفلسطينيين في دولة إسرائيل بات واقعًا لم يعد بالإمكان تغييره بسبب التغيّرات على الساحة الفلسطينية والإقليمية والدولية، ولكنهم اعتقدوا بإمكانية ضبط وجود الفلسطينيين من ناحية عددية، وعمل كل وسيلة لإبقائهم أقلية مدجّنة تحت مسمى عرب إسرائيل، مع الحرص المنهجي على رفض التعامل معهم كشعب أو كجزء من شعبهم وأمّتهم العربية، بل واعتبار من يعرّف نفسه كفلسطيني بأنه متطرِّف ولا سامي والتهديد بسحب مواطنته الإسرائيلية.
بينما يرى الجانب اليميني المتطرف ممثلا بالكاهانية التي أسسها الحاخام كاهانا، وبالترانسفيرية التي قادها الجنرال رحبعام زئيفي وجزء كبير من أحزاب اليمين وأنصارهم، بأن إمكانية طرد العرب الفلسطينيين من ديارهم ما زالت ممكنة وواقعيّة، خصوصًا مع تهافت العالم العربي على التطبيع مع إسرائيل بدون أي شروط، هذا رغم التطوُّر الهائل في الاتصالات وانكشاف جرائم الحرب أمام أعين العالم، إلا أنهم ما زالوا يؤمنون بأن هذه الإمكانية ممكنة إذا ما استغلّت حالة أمنية عينية، مثل اشتعال حرب في المنطقة أو افتعال “حرب أهلية” بين العرب واليهود، يُرغم العرب خلالها على ترك أحيائهم وبلدانهم إلى أي مكان يختارونه في العالم.
الإعلام الإسرائيلي بوق السلطة، أسرع في تبني وتوصيف ما جرى بين المواطنين العرب الفلسطينيين من جهة، وقوات الأمن والعصابات الفاشية، بأنها حرب أهلية، وللأسف تناقلت هذا التوصيف وسائل إعلام عربية.
لقد قالها نتنياهو في كلمته قبل يومين، إن من يتصرف كـ”مخرّب” سوف يعامل كمخرّب. هذا يعني أن من يدافع عن بيته وحارته وأبنائه وعن نفسه، فهو “مخرّب”. هذا الكلام موجّه للعالم الخارجي بأن العرب ليسوا مواطنين مسالمين، بل إنهم مخربون والدولة تتعامل معهم كما تتعامل أي دولة مع إرهابيين.
الحديث عن “حرب أهلية” هو محض هراء، ومحض تزييف للواقع. الحرب الأهلية أو ما يمكن أن يسمَّى حربا أهلية تكون بين فئتين مسلّحتين، قريبتين من التكافؤ العسكري النِّسبي، الحرب الأهلية تحدث بين أصحاب السلطة نفسها عندما ينقسمون ويتصارعون، عندما يكون جهازا الشرطة والجيش منقسميْن بين طرفين متحاربين على السُّلطة.
ما يحدث في اليمن هو حرب أهلية، وما حدث في لبنان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي هو حرب أهلية، أما ما يجري بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الأمن والمستوطنين فهي عمليات إرهاب وقمع تجاه العرب، ومن يروّج على أنها “حرب أهلية”، يقصد تشريع الفتك بالعرب العزّل.
ما جرى هي عمليات فاشية منظّمة بالتحالف مع الشرطة وقوى الأمن الأخرى، وهي في الواقع بوغرومات، كما شاهد العالم ما حدث للسائق العربي في بات يام، وكما رأينا المجموعات الفاشية في حيفا مسلّحة بالأسلحة البيضاء، تطوف مع الشرطة التي تشاركهم في الاعتداءات على العرب، ثم تعتقلهم من داخل بيوتهم. فقد اعتُقل أكثر من ألف عربي، بينما لم يُعتقل سوى يهودي واحد.
جاء وصف بيبي نتنياهو المحتجين بـ”المخرِّبين” لتزكية الفاشيين من حلفائه في السَّلطة، الذين يقودهم إيتمار بن غفير، والذي يعلن صراحة عن إستراتيجية طرد العرب من كل “أرض إسرائيل” وليس من المدن “المختلطة” فقط.
النظام الفاشي الحالي في إسرائيل سوف يستمر في هذا النهج، وسوف تتصاعد عدوانيته بصورة خطيرة جدًا في حال استطاع نتنياهو إقامة حكومة مع بن غفير، لأن يد الفاشيين سوف تخرُج من عقالها، وسوف تصبح أقوى وأشدّ إذا ما لم تواجَه بمقاومة شعبية واسعة واعية لما يدور من حولها، تتكامل مع كفاح بقية أبناء شعبها، وتجذب أنظار العالم إليها.
ما توجه به النائب سامي أبو شحادة (التجمع – القائمة المشتركة) قبل أيام في طلب حماية دولية، هو مطلب لن يتحقق ببساطة، ولكنه مقدّمة مهمة، وهو تحذير ولفت انتباه للهيئات الدولية، إلى ما يتعرض له العرب الفلسطينيون عمومًا وفي داخل إسرائيل بشكل خاص، وما قد نتعرض له مستقبلا، في أوضاع تختلط فيها الأوراق وتعم الفوضى.
ليس كل ما يخطط له الفاشيون ينجح، وهذا يتعلق إلى حد كبير في وحدة شعبنا ويقظته ووعيه وإدراك ما يفكر به مجرمون مستعدون لإشعال المنطقة كلها إذا كان هذا يخدم مصالحهم.
سوف ينتهي العدوان على قطاع غزة خلال الأيام القريبة، وتصمت القذائف والصواريخ والانفجارات، وعلينا أن نعود إلى نضالنا الشعبي لحماية مستقبلنا مستلهمين تجارب شعوب أخرى، وعلى رأسها شعب جنوب أفريقيا الذي تحرّر من حكم عنصري استمر أكثر من ثلاثة قرون ضد السكان الأصليين.