حتى لا تمضي الجرائم الصهيونية دون عقاب
محمد المحسن | تونس
إلى الشهيد/البطل التونسي محمد الزواري الذي اغتالته آياد آثمة تقطر دما.
“..مازلت أنتظر ساعةَ الإنتقام../أرى وطني غابةً من سلاح../أزيل همومي وأوراقَ حزني/أشمّ المدى/أتنفّس نفسي،:صباح الزنابق والنصر،ياغزة..صباح الكفاح/أنت أمنعُ مما يدبَّرُ/يا مركز اللّه/يا أوّل الخلق.والبندقية مسك الختام.(مظفر النوّاب – بتصرف طفيف).
..منذ هزيمة 67 وإلى حد تداعيات الراهن في أشكالها المأسوية..ومنذ أن أرخى الطاغوت الصهيوني بظلاله على المنطقة الشرق أوسطية التي ظلّت أكثر مناطق العالم الجيوسياسية إلتهابا واحتراقا..وعلى مدى أكثر من أربعة عقود وصلت فيها أوضاعنا إلى حافة اليأس،ومنذ ما يزيد عن نصف قرن وأمريكا تنفق- بسخاء حاتمي- أكثر من 200 بليون دولار تُضخّ في شكل معونات مالية وعسكرية غير مشروطة لإسرائيل،ونحن في المقابل قابعون في مواقعنا الفرجوية نتابع بذهول ما يجري داخل الأرض المحتلة من قتل، ترهيب، سرقة وقحة لأعضاء من شهداء فلسطينيين وزرعها لجنود الإحتلال..وأساليب – قروسطية – يمارسها قتلة متوحشون في حق شعب أعزل يعانق الموت بروح استشهادية عالية..نقول هذا، لإنّنا مازلنا نرى في أمريكا-راعية السلام-(!)، ومازال البعض منا يعتبرها وسادة ريش ناعمة يهرول نحوها حين يداهمه السقوط،ومازالت هي بدورها تراهن على صياغة أوضاعنا وفقا لما يخدم أغراضها ويوسّع دوائر نفوذها وتتمظهر بأشكال مختلفة هنا وهناك..فتارة ”تناصر”الإسلام في أفغانستان حين يدين رئيسها الأسبق – كارتر – التدخّل السوفياتي في –كابول – وتارة أخرى تعادي – المسلمين – حين تقوم بمغامرة فاشلة في طهران، مبرّرة سلسلة قراراتها الإرتجالية بالضمير المسيحي وحقوق الإنسان بما يجعل سياستها الخارجية الحمقاء تخفق إخفاقا مخجلا على العديد من الجبهات: الحرب اللبنانية وحرب الصحراء الغربية والحرب اليمنية، وأصبحت تبعا لذلك أقوال قادتها الشبيهة بمواقف جنرالات الدّم في تل أبيب،مدعاة للتفكّه والتندّر وانحدرت الهيبة الأمريكية إلى الحضيض في بلد كإيران..
إلا أننا ظللنا- دون وعي منّا – على هامش الوجود الحضاري في العالم نسبّ – أمريكا – علنا ونحتذي بها سرّا وعمليا،ونعيش غصبا عنا في حالة رعب دائم نشعر أنّنا مهدّدون بالموت لأسباب أخلاقية جوهرها الخوف الوهمي من إسرائيل، فنلتمس برقة مبالغ فيها من -الإدارة الأمريكية- أن تكبح جماح – الدينصور- الإسرائيلي وعربدته في المنطقة العربية، دون أن يقرأ الواحد منا السطور الأمريكية التي يكتبها الشرق الأوسط بألوان دامية أمامنا وحوالينا هذه الأيّام،فالحقائق التي لا تحتاج إلى الإجهاد الفكري ولا كذلك إلى أقمار التجسّس، تقول بحروف جدّ لامعة:
-إنّ حلفا عسكريا صيغ في الدهاليز السرية للبيت الأبيض بين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني يعمل في إطار إستراتيجي مشترك تكون بمقتضاه -تل أبيب- بمنأى عن إحراجات مجلس الأمن:شذبا أو إدانة، بما يمنح قتلتها حق ممارسة قانون الغاب في العمق العربي،بدءا من فلسطين مرورا ببيروت وصولا إلى دمشق أو إلى غيرها من العواصم العربية التي قد تتجاسر على مشاكسة إسرائيل، ومن هنا لا مانع أن يُسيّج شعب بكامله في فلسطين بالأكفان طالما أنّ القوانين والأعراف والمواثيق الدولية صيغت وفقا لما تريد أمريكا لا كما يراد لها أن تكون وغدت تبعا لذلك:الشرعية الدولية-المنتظم الأممي-الرأي العام العالمي..مجرّد كلمات ذات بريق يغشي العيون العربية خصوصا عن مضمونها الذي حدّدته أمريكا بوضوح تام.
-النفط هو المادة الإستراتيجية الخام التي يستهدفها هذا الحلف،فهذا-السائل الأسود-يسيل لعاب أمريكا ويجعلها تحرص على توتير الحدود العربية وعلى اضطراب الوضع في الشرق الأوسط بهدف إشباع أمراء الخليج بالأسلحة التي-لن-تُستَخدَم في حرب تكون إسرائيل طرفا فيها أو هدفا لها علاوة على تزويد العدوّ بمعدّات حربية متطوّرة:طائرات الأباتشي والكوبرا والقاذفات ومدافع الهاون والأسلحة الثقيلة..بينما ليس لدى الفلسطينيين شيء من هذا..
لهذا نقول دون تردّد،إننا بدأنا نهرول سريعا نحو الهاوية وقد تخطينا الحافة الحرجة وأصبحنا نهوي فعلا بعد أن أخفقنا في حوارنا مع التاريخ.فأموالنا ونفطنا وكل ما امتلكت أيدينا،لم تُؤمّن لنا موقعا وثيرا في “الوجدان” الأمريكي..و لن تحجز لنا مكانا مميّزا في “ضمير”الرئيس الأمريكي: باراك أوباما.. أما استسلامنا وخضوعنا فقد أضاف إلى الرصيد الإسرائيلي ولم ينقص منه،وهذا يعني أننا محاصرون بالنيران،ونتجاهل في ذات الآن مصدر الخطر!
فالرّياح الغربية القادمة من واشنطن قد عصفت بالبيت الفلسطيني وخلخلت ركائز المنطقة العربية برمتها،وذلك في الوقت الذي تزعم فيه أمريكا أنها حريصة على”إشاعة الإستقرار في المنطقة”أي، السّلام،ولكنّه السّلام بمنظورها السقيم الذي يتأسّس على الإعتراف العربي الشامل بحق إسرائيل في الوجود الأمني والطبيعي، أي الذي يعتمد على مراوغات البنود القانونية في اتفاقيات وهمية للصلح مع الحكومات وهذا يوكّد أنّ حماية المشروع الصهيوني في إقامة دولة يهودية وضمان بقائها، مسألة غير قابلة للجدل وهو أمر لا يهم غرب أوروبا والولايات المتحدة فحسب،بل هو شأن دولي يرى من زوايا مختلفة،أنّ هناك قومية يهودية تهدّدت بالدمار الشامل أكثر من مرّة أقربها الحرب العالمية الثانية،وأنّ الدولة العبرية- بأصابعها الأخطبوطية- وحدها هي الضمان الممكن للشعب اليهودي ضد الإنقراض!.
وهذا لن يتمّ إلا على حساب شعب فلسطيني راهنوا على اجتثاث جذوره عنوة منذ 48،وهذا يعني كذلك أنّ قراري مجلس الأمن 242 و 338 تمّ تهميشهما بشكل ماكر رغم أنّ هذين القرارين ينصان في مضمونهما على إستعادة الأراضي المحتلة عام 67 في مقابل السلام،أما القرار 194 فسيدخل بدوره بصورة مأسوية طي النسيان بما يحول دون عودة أربعة ملايين لاجئ فلسطيني..بقيت القدس التي أعلن بشأنها الجنرال الدموي-سيء الذكر وغير المأسوف على رحيله- شارون صاحب الدور البارز في عدد من المذابح الوحشية منذ الخمسينات بما فيها مذابح صبرا وشاتيلا وقبيا وغزّة،السيطرة الكلية عليها بما يحقّق”نبوّة” النائب- ابراهام كحيلة- الذي قال في جويلية 93:”إنّي أريد أن يفتح الفلسطينيون عيونهم على الواقع،أن يفهموا أنّ توحيد”القدس”تحت السيادة الإسرائيلية أمر غير قابل للمراجعة”وهذا يعني أوّلا وأخيرا أنّ-المفاوض الفلسطيني- سيعود-في كل مرّة-إلى شعبه صفر اليدين،دون الحرم الشريف،دون دولة،ولا إعتراف بالسيادة الفلسطينية ولا حل لمشكلة اللاجئين..
ماذا بقي إذن ؟!.
بقي أن نستخلص وبوضوح تام ووفقا لما يحدّده -الخطاب الصهيوني- أنّ وجود الفلسطينيين في حد ذاته أصبح يشكّل خطرا وتهديدا عنصريا ودينيا على أمن إسرائيل،ومادام ذلك كذلك أصبح سجنهم داخل مناطق محكمة وتقييد حركتهم داخل شبكة من الطرق الجانبية أمر مطلوب ريثما يتمّ منحهم-قطعة أرض لا تغري واحدا من أثرياء العالم بأن يجعل منها حديقة-يمارسون عليها سيادتهم.نقول هذا،لأنّه غدا من المدهش أن يتحدّث البعض منا عن مفاوضات ثنائية وعن خطاب سلام محسوب بدقة في الوقت الذي يحاصَر فيه شعب بأسره داخل قطاع غزة بلا ماء ولا دواء ولا غذاء وقد يتضاعف حصاره أكثر في المدى المنظور عبر جدار فولاذي “سيشيّد” بسواعد عربية-..!!..
ونعيد القول ثانية حتى لا نتقهقر إلى الوراء ونقبع خلف خطوط الإنكسار دون أن نصوغ المتغيرات الجوهرية في هذه الدنيا التي ودّعت قرنا وقد يتاح لأعدائنا فيها-شرف-المشاركة في مراسيم وداعنا ونحن نخرج من التاريخ لنبحث لنا عن مكان في متحف الذكريات الإنسانية إن بقيت هذه حالنا !..
نصرّ على هذا القول أوّلا وأخيرا لأنّ زماننا أصبح اليوم أحوج من الأزمنة التي مضت إلى القيادات التاريخية الواعية بجسامة المرحلة، والملهمة بحس حضاري لا يخيب..لها-عقل-استراتيجي بعيد النظر،وما الإنكسارات التي نتجرّع مرارتها إلا نتاج لهزال العديد من القيادات الحالية التي تربّعت على عروش المجد بالوراثة أو عبر انقلابات ذات أشكال مختلفة جاءت نتائجها عكس ما يرجى منها، فالإنتصار الذي نرومه نفيا لعصر الركود والإنحطاط والتعثّر،لن يستجيب للبلاغة الوطنية والشعارات القومية الخلاّبة،إنّه يستجيب لدقة التحليل، ولصرامة الفكر،ولوضوح التفكير،إنّه يستدعي إذن عرقا غزيرا لا يقلّ في سيلانه عن دم الشهيد/البطل محمد الزواري الذي أريق-في غفلة منا جميعا- !!..
°°°°
أصداء السيرة: محمد الزواري (1967 – 15 ديسمبر 2016)،هو مهندس تونسي،ولد بمدينة صفاقس.كان عضوًا في كتائب الشهيد عز الدين القسام،الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) الفلسطينية،وأشرف على مشروع تطوير صناعة الطائرات بدون طيار في وحدة التصنيع في كتائب القسام،والتي أطلق عليها اسم أبابيل1،وظهرت هذه الطائرة أول مرة في 2014م في معركة العصف المأكول،ومشروع الغواصة المسيّرة عن بعد الذي يعمل عليه في إطار الدكتوراه.
اغتاله جهاز الموساد الإسرائيلي في صفاقس في ديسمبر 2016.