قراءة لخارطة الشعر الحديث في دولة قطر

 عبد الله فرج المرزوقي | إعلامي قطري

الحركة الشعرية في دولة قطر تنقسم إلى ثلاثة مراحل. المرحلة الأولى أي مرحلة ما قبل النفط، وتمتد من أوائل القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ضمت مجموعة من الشعراء التقليدين الذين ترسموا خطى القصيدة الجاهلية وطريقتها في التعبير في محاكاة ضعيفة. فموضوعات الشعر في هذه المرحلة موضوعات محدودة وتقليدية تنحصر فيما هو مكرر ومعاد من معاني الشعر وصوره.

المرحلة الثانية تبدأ من بداية نصف الثاني من القرن العشرين حتى الاستقلال وهو في عام 1971م. إن ظهور النفط أحدث تحولات كبرى في المجتمع القطري حيث تطورت مجلات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكان لهذا أثره الفعال في التطور التلقائي والمباشر للحياة الثقافية. ولقد انعكس ذلك على الشعر الذي بدأ ينهض على مجموعة من الشعراء مثلوا جيل الإحياء والبعث.

المرحلة الثالثة تبدأ من 1971م وحتى الوقت الحاضر. وهي فترة التطور الشامل. فلما انتهت هيمنة الاستعمار وأصبح الأمر في يد أبناء قطر وحدثت النهضة الاقتصادية والتغير الشامل في نظم الحياة، كان لهذا التغير الكبير أثره في الحياة الثقافية والأدبية. جاء في هذه الفترة أجيال من الشعراء ترسموا خطى الشعر في كل اتجاهاته: الوجداني والحر حتى أن بعضهم ولج عالم المسرح الشعري.

نستطيع تقسيم الحركة الشعرية الى ثلاثة مراحل. المرحلة الأولى تبدأ من أوائل القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، والمرحلة الثانية تبدأ من بداية النصف الثاني من القرن العشرين حتى الاستقلال وهو في عام 1971م ، والمرحلة الثالثة تبدأ من 1971م وحتى الوقت الحاضر. وقد قمت بهذا التقسيم بإعتبار ان التغير الكبير الذي حدث في المجتمع القطري هي فترة الإنتقال من مجتمع الصيد والرعي إلى مجتمع النفط والصناعة ثم إلى التطور الشامل.

المرحلة الأولى والموضوعات التقليدية

أما المرحلة الأولى (من 1800-1950م) يمكن يميزها في ديوان الشاعر عبد الجليل الطباطبائي وهو عراقي المولد. ولكن بإعتباره سكن فترة طويلة في (الزبارة) اضافة لظهور الكثير من الحوادث السياسية المحلية في أشعاره يسودنا إلى أن هذه الأشعار من الأدب القطري.

وعندما دخلت القوات الوهابية عام 1809 كان بها مجموعة من الشعراء في مقدمتهم الشاعر المشهور عبد الجليل الطباطبائي الذي طلب منه القائد الوهابي في ذلك الوقت أن يصحح له قصيدة كان قد تقدم بها للقائد أحد الشعراء فرأى القائد ضعفها. فطلب من الطباطبائي تصحيحها ولكنه رفض ذلك لما فيه من تحريض لبعض أصدقائه الشعراء وعلماء البلاد، ولكن القائد أصر على تصحيح القصيدة من الشاعر الطباطبائي، فوعده الأخير بنظم قصيدة يمدح فيها الوهابي ويمجد أيضاَ الفتح الذي قام به، وقد أيدها وأعجب بها القائد، بل بعث بها للأمير.

وبعد مغادرة الطباطبائي لقطر في حوالي عام 1810م مع من ارتحلوا بعد خراب الزبارة[2] ظلت الحياة الأدبية في ركود أو شبه مجهولة ولم يصلنا شيء عنها الا بعض الأشعار النبطية وكان الرائد فيها الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني حاكم البلاد آنذاك فكان هناك شاعر آخر في أواخر القرن التاسع عشره الشاعر ماجد بن صالح الخليفي وهو نظم بالفصحى والعامية وقد كانت أشعاره محدودة. وكان في فترة 1873م ــ 1907م.

ويبدو أن هناك عدد من الشعراء نسبوا الى قطر لإقامتهم فيها زمناَ واختلاطهم بأهلها. منهم الشاعر النجدي محمد عثيمين الذي أثر في عودة الشعر الفصيح ثانية الى البلاد. فلقد تتلمذ على يد ابن عثيمين عدد من الشعراء منهم الشاعر المخضرم أحمد بن يوسف الجابر (1903 ــ 1991م) والذي عاصر المرحلتين ما قبل اكتشاف النفط وما بعده[4] فالشاعر النجدي محمد بن عثيمين (1844م ــ 1944م) كان له دور هام في نهضة الشعر العربي الحديث. وكان هناك مجموعة من الشعراء في بداية القرن العشرين يمثلون البدايات الحقيقية للتاريخ الشعري لقطر ومن أهم هؤلاء الشاعر ماجد بن صالح الخليفي (1873 م ــ 1907م) والشاعر محمد حسن المرزوقي (1889م ــ 1959م) والشاعر عبد الرحمن بن درهم (1870م ــ 1942م) وعبد الرحمن بن صالح الخليفي (1881م ــ 1943م) وغيرهم.

أغراض الشعر وخصائصه

فأما مواضيع الشعر في هذه المرحلة موضوعات محدودة وتقليدية تنحصر فيما هو مكرر ومعاد من معاني الشعر وصوره وتدور موضوعاته حول الإخوانيين والحكم والأمثال والمواعظ والمدح والرثاء وبعض قصائد الغزل الفاتر والوصف الحسي وتكثر فيه المعاملات والمباراة في مسائل فقهية ولغوية، وأشعار هذه المرحلة لا تحمل جديداَ ولا ابتكاراَ بل تغلب عليها كذلك النزعة الحكمية والوعظة. وانحصرت مجهودات الشعراء في التقليد والمحاكاة الضعيفة فلم يكن لهؤلاء الشعراء نافذة أخري على الثقافة غير ما يتلقونه في الكتاتيب، ذلك لأن الاستعمار حاصر عقولهم ولم يهتم بالتعليم، ومن هنا تأخرت حركة الشعر العربي في قطر في الوقت الذي كان البارودي في مصر، وتلاميذه أحمد شوقي وحافظ ابراهيم وأحمد محرم، يصنعون تاريخاَ جديداَ للشعر العربي.

فالنصوص الشعرية التي وصلتنا عن هذه المرحلة تكاد تنحصر تقريبا في ثلاث موضوعات وهي المديح ، والرثاء ، والغزل والأخير قليل ولا نجده مقصودا لذاته الا نادراَ وهناك بعض القصائد أوالأدبيات التي تعالج موضوعات أخرى كالفخر ، وشعر الغزل ونحوه ولكنها قليلة.

هكذا كانت صورة الشعر العربي في قطر في هذه المرحلة لم يخرجوا عن موضوعات محدودة وتقليدية التي كانت شائعة في الشعر العربي.

الموضوعات والأغراض كانت مغرقة في التقليدية، حتى الأفكار لم يستطيعوا في الغالب تجاوز التراث فيها، ومن هنا جاء شعرهم صورة باهتة لأشعار قيلت في عصور خلت، ومن هنا لم نشعر بصورة قطر أو الخليج أو على الأقل مدنهم وقراهم أو نظام حياتهم المرتبط بالبحر في كل شيء ، وأهم ذلك مصادر الرزق ، إذ ان معظم صورهم ومعانيهم مرتبطة بالصحراء وما إلى ذلك نتيجة لانحصار تأثرهم فيما قرأوه من دواوين الأقدمين ووقوفهم عند هذه المعاني والصور وتمثلهم لها ، دون أن تكون لهم نظرات خارجية تسير ما حولها وتتعمق فيه وتتأثر به ، وهنا يكون الإبداع والأصالة في الفن.

مرحلة المعاصرة

إن ظهور النفط أحدث تحولات كبرى في المجتمع القطري حيث تطورت مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكان لهذا أثره الفعال في التطور التلقائي والمباشر للحياة الثقافية أما المرحلة الأولى (المرحلة التقليدية) تمتد حتى منتصف القرن العشرين وهي فترة متأخرة وكما نعلم أن هذه الفترة قد شهدت نهضة حديثة شملت الحياة العربية بمختلف نواحيها وفي مقدمتها الحياة الفكرية والأدبية والتي كانت قد حمل لواء الشعر والريادة فيها محمود سامي البارودي في طور الأحياء البحث ثم جاء طور التجديد على يد الشوقي وحافظ ومطران ثم العقاد وشكري ولكنه من المؤسف حقا أن الحياة الأدبية في قطر في هذه الفترة لم تحظ بشيء من ذلك.

المرحلة المعاصرة هي المرحلة التي بدأت مع الانتقال العظيم من حياة تقليدية إلى حياة عصرية حديثة تغيرت فيها معظم المفاهيم والأعراف التي كانت سائدة في مجتمع ما قبل النفط. “وكان نتيجة لذلك أن ظهر في هذه المرحلة المعاصرة اتجاهان: الاتجاه الاحتفاظي والاتجاه التجديدي أو مدرستان مدرسة محافظة وتقليدية ومدرسة مجددة. والأخيرة نطلق عليها هذه التسمية تجاوزا فهي في الحقيقة ليست مدرسة لأن المدرسة لا بد أن تكون لها قواعد وأصول ومعالم تسير على نهجها. وهذه المجموعة لم تتوافر لها القدرة على ذلك فهي في مرحلة النمو ولم تتضح بعد اتجاهاتهم. ولم يكتمل النضج الفني لدى هذه المجموعة. وإنما كل ما في الأمر هو أن هناك نزعة تجديدية تحاولها هذه الجماعة، متأثرة بالاتجاهات والمذاهب الأدبية الجديدة من رومانسية ورمزية بالإضافة إلى التجديد الفني من حيث الخروج على الأوزان التقليدية المعروفة وظهور ما يعرف بالشعر الحر أو المرسل”.

ومع بدايات السبعينات بدأ الوعي يزداد، وأدرك الشعراء أن محاكاة القديم وتكرار السابقين، لا يناسب النهضة الحديثة، فكان هذا الوعي دافعا للتطور.

ولقد ظهر هذا التطور في الشعر القطري في هذه المرحلة على مستوى الموضوعات، في تغير الأغراض الشعرية، والأفكار والمعاني وطرق المعالجة فلقد اختفت أغراض، وتداخلت أغراض، وظهرت أغراض جديدة تتواءم وروح العصر.

ومن خلال استقراء شعراء هذه المرحلة وجدت أن أغلب شعرهم جاء في الأغراض الآتية:

أولا: الشعر الوطني

ثانيا: مناهضة الاحتلال

ثالثا: الشعر القومي

رابعا: الغزل

خامسا: الشعر الديني.

فلما انتهت هيمنة الاستعمار ، وأصبح الأمر في يد أبناء قطر المخلصين ، وحدثت النهضة الاقتصادية والتغير الشامل في نظم الحياة “كان لهذا التغير الكبير أثره في الحياة الثقافية والأدبية ، نتيجة لظهور التعليم الحديث ، والصحافة ، وغيرها من الوسائل الإعلامية ، وما تبعه من اتصال ثقافي بالعالم الخارجي ، سواء عن طريق هذه الوسائل أو عن طريق البعثات ، وغيرها من الوسائل وقد تكونت ثقافة الجيل الجديد من هذه الثقافة الحديثة التي حملت إليه مختلف المذاهب الفكرية والأدبية التي ظهرت ، وكان نتيجتها أن تأثر هؤلاء الشباب بهذه المذاهب ، وظهر أثرها على نتاجهم الأدبي الذي خرج عما كان سائدا عند المدرسة التقليدية ، من تمسك بالموروث القديم فنيا وموضوعيا.

حدث ذلك في الثلث الأخير من القرن العشرين ، حيث تغيرت مناحي الحياة والنشاط الإنساني للمجتمع القطري وبالتالي تغير السلوك الاجتماعي ، وزاد الأفراد ثراء، وأصبحت النظرة المادية هي المسيطرة على الجميع، وانكفأ الإنسان داخل ذاته ودرات تجربة الشعراء حول ذواتهم، فظهرت بذلك النزعة الوجدانية “فكان أن تخلصت القصيدة من تراكم الموضوعات التقليدية ، إلى التعبير عما يعتمل داخل النفس من أفكار ذاتية، كما اتجهت المعاني الإنسانية والعامة، إلى ما يسيطر على الناس من أمراض العصر ، من مشاعر التمزق والاضطراب والقلق والحيرة والشك والغربة ، فظهر شعر رومانسي يمثل غربة البعد عن الوطن ، ومشاعر الاغتراب وسط الحاضرين ، وشاعت الرمزية لتوحي بمعان متعددة ، كما تناول الشعر هموم الواقع المعاش، وحياة الخليجيين قبل الطفرة الاقتصادية، باستعادة ذكريات معاناة فترة الغوص، وحياتهم بعد الطفرة وما شابها من إحساس بالغربة تجاه ما استجد من مظاهر الحياة ومحدثاتها.

لقد تنامى هذا الإحساس بالغربة وعدم التكيف، نتيجة للتغيرات الجذرية التي أصابت المجتمع القطري، وكان رد الفعل “هو القلق الذي أحدثه هذا التغير، وهذا لا يتأتى إلا إذا أحس الإنسان بذاته، وبرزت هذه الذات، فوجدت نفسها لا تستطيع أن تتكيف مع واقعها، فتحاول أن ترسم عالما مثاليا أو مدينة فاضلة – يوتوبيا – وتغيرت في الزمان والمكان، فتهرب على أجنحة الخيال إلى الماضي البعيد أو إلى الطبيعية.

وليس معنى ذلك أن الوجدانية تعني الهروب من مواجهة الواقع والحياة “بقدر ما هي رسم لعالم جديد، ويشعر الفرد برغبته في التحرر من القيود الاجتماعية، والضغوط النفسية، والانطلاق إلى العالم الرحب، إنها باختصار أشبه بمرحلة مراهقة في حياة الأمة، حيث أحلام اليقظة، وأجنحة الخيال، وتقديس العواطف وشرنقة الذات تلتف حول نفسها”.

اتجاهات الشعر الحديث في قطر وبداية تأصيلها

الشعر المعاصر، أو الحديث، أو شعر الحداثة، يعتمد في إيقاعه على (تفعيلة) أحد (البحور الخليلية) الصافية، ويعد شعر التفعيلة باكورة الشعر الحداثي.

ويحرص شعراء التفعيلة على تناول قضايا إنسانية عامة، وعرض مشاكل المجتمع في تأصيل لقضايا عامة، في تجارب شعرية تتجاوز (الذات الفردية) إلى (وجدان الجماعة) فيصير الوجدان الفردي وجدانا جمعيا، وتنصهر (الذات) في (الموضوع) و(الموضوع) في (الذات) فيصيران شيئا واحدا.

ويعتمد هذا اللون من الشعر على مدى تفرد الشاعر وعبقرتيه وقدراته الإبداعية، وأثره في الاستعاضة عن الأوزان الخليلة بإيقاع التفعيلة، عن طريق مستويات الأداء اللغوي (الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي والتصويري).

شهدت الساحة القطرية بدايات هذا اللون من شعر التفعيلة، على يد مجموعة من رواد الأدباء المعاصرين، أمثال:

1. الشيخ مبارك بن سيف آل ثاني.

2. علي ميرزا محمود.

3. الدكتور/زكية مال الله.

4. حصة العوضي.

وتعد تجارب مبارك بن سيف آل ثاني أكثر هذه المجموعات نضجا وإبداعا وتأثيرا، وإنه ليعد رائدا للتجديد المتأني في قطر خصوصا، وفي منطقة الخليج عموما بقصائده المتعددة.

ويحضرنا في هذا المجال قصيدة (مبارك بن سيف)، (سفن الغوص البأسة) التي تعد مثالا جيدا لهذا اللون من شعر قطر الحديث، وخير دليل لشعر التفعيلة لدى شعراء قطر المحدثين، ففيها استرجاع للزمان، وتفتيش عن الماضي، وبحث عن حياة مجتمع الغوص، بما تحمله من مرارة ومعاناة وحرمان، ولكنه ما يلبث أن يحكي، فجعل نفسه الراوي والمستمع والمخاطب والمتحدث في آن واحد، بينما الخليج (بمياهه وشواطئه، وأعماقه، وأصدافه، وسفنه التي صارت أثرا بعد عين) والطواشون والنهامون والغاصة يسترجعون ذكريات مضت، وأحداثا عبرت.

الشعر المسرحي في دولة قطر

لذا فقد عرفت قطر الكتابة المسرحية في وقت متأخر نسيبا، ولكن أغلب ما كتبمن نصوص مسرحية، جاء باللهجة العامية المحلية، ولم يكتب أحد من كتاب المسرح بالشعر شيئا، الى أن كتب الشاعر مبارك بن سيف مسرحية (الفجر الآتي) شعرا وبالفصحى.

ولقد سبق مبارك بن سيف عدد من كتاب المسرح القطريين الذين كتبوا مسرحياتهم بالعامية، أمثال عبد الرحمن المناعي وحمد الرميحي وغيرهما، إلا أن أحدا لم يفكر في الإبداع المسرحي شعرا. لذلك سوف نتوقف بالدراسة والنقد عند مسرحية (الفجر الآتي) للشاعر مبارك بن سيف، وهي المسرحية الشعرية الوحيدة التي ظهرت في الحياة الأدبية في قطر حتى الآن.

أما الشعر في دولة قطر فقد كان في البداية ضيق الأفق محدود الأغراض ضعيف الأسلوب. وحين ازدهرت الحياة المادية والعلمية والإعلامية في قطر في المرحلة المعاصرة أخذ الشعر ينتعش ويتجدد ويتأثر بما شاع من اتجاهات وتيارات جديدة حتى وجدنا في هذه الفترة النزاعات الرومانسية والرمزية والشعر الحر والشعر المسرحي إلى جانب مدرسة محافظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى