في ذكراك الخالدة، سلاماً أيها القائد
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
الأرض هي الهوية. وقد صار الفلسطيني بلا هوية منذ تم تهجيره من الأرض.
لقد كان فلسطينيا لأنه يقطن على أرض فلسطين، ثم صار لاجئا لأنه يقطن أرضا ليست هي فلسطين التي يعرفها أجداده. فكيف يتم استعادة الهوية المفقودة إذن؟ تلك معادلة حلها أبو عمار بالبندقية
ففي توريث الفلسطيني بندقيةً ـ بعد انخلاعه من الأرض ـ تنوب البندقية عن الأرض، ولو مؤقتاً، وتشكل إعلاناً بانبعاث الهوية الفلسطينية المتجددة، وفق العلاقة الآتية:
الأرض = الهوية.
البندقية = الأرض.
إذن فالبندقية هوية.
بهذا المعنى صنع أبو عمار هوية الفلسطينيين المتجددة.
بعضهم يحاول إنكار هذه الحقيقة.
لم يكن ياسر عرفات نبياً، ولم يكن مقدساً، لكنه تقدس ـ في قلوب الفلسطينيين ـ قدسية خاصة لا يعرفها سواهم.
لم يكن ياسر عرفات ولياً، ولم يمش على الماء، لكنه كان ـ في وعي الفلسطينيين ـ قادرا على اجتراح المعجزات.
لم يكن ياسر عرفات يحفظ القرآن كله، لكن قراءته المكسرة للقرآن كانت ـ في آذان الفلسطينيين ـ أجمل من كل قراءات هؤلاء الذين يطلعون علينا كل صباح بأصوات منكرة.
لم يمتلك ياسر عرفات قصراً، لكن كل مكان أقام فيه تحول ـ في أعين الفلسطينيين ـ إلى وطن.
لم يكن ياسر عرفات كاملا في كل شيء، لكنه غدا ـ في ذاكرة الفلسطينيين ـ نموذجا لقدرة الزعماء على الحب.
ما يميز ياسر عرفات، عن غيره من الزعماء، أنه أحب شعبه بكل قلبه، وأمد شعبه بطاقة لا تنفد، وآمن بقدرات شعبه بصورة خرافية.
لم يكن ياسر عرفات عاقلا دائماً، لكنه كان ثائرا دائماً.
لم يكن ياسر عرفات فيلسوفا أبداً، لكن الله منحه قدرة فذة على فهم ما يدور حوله.
لم يكن ياسر عرفات شاعرا أبداً، لكن كلماته كانت في آذاننا أجمل من كل الأشعار، وأعذب من كل الأغاني.
لم يكن ياسر عرفات بليغا دائماً، لكن لغته كانت تسحرنا، فنقلد أخطاءه اللغوية بحب مجنون.
لم يكن ياسر عرفات أنيقا دائماً، لكن طريقة اعتماره للكوفية، صارت شعارا لفلسطين.
لم يكن ياسر عرفات الرئيس الأول فحسب، لكنه صار ـ في ذاكرة فلسطين ـ الرئيس الخالد.
لم يكن ياسر عرفات مفجر ثورتنا فحسب، بل صانع كينونتنا المتجددة.
سلاماً أيها القائد..
أنت الآن في ضريحك، ونحن في هذا الفضاء المسقوف بالحديد.
أنت الآن تتطلع إلى القدس، ونحن نتطلع إلى قليل من الهواء، في هذا الجحر الموبوء بالأفاعي.
أنت الآن متلفع بالكوفية، ونحن متلفعون بالجلابيات الباكستانية.
أنت وصلت إلى آخر النفق، ونحن دخلناه، ولا نعرف لنا منه مخرجا.
سلاماً أيها القائد.
لا بد أنك قد عرفت الآن أنك في غزة.