سمير الجندي ..حامل وناشر راية الثقافة والمعرفة والمبدع الآتي من روح القدس العتيقة
محمد زحايكة | القدس – فلسطين
مر على معرفة الصاحب بالكاتب وصاحب دار الجندي للنشر والتوزيع زهاء ثلاثة عقود أو أكثر، وتجلت تلك المعرفة عندما كان يلتقيه ناشطا في صفوف لجان أو اتحاد المعلمين الفلسطينيين، ولطالما شاهده بمعية رئيس الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين الأستاذ محمد صوان على ما يخيل للصاحب اللاهب .
في تلك الأيام الفائرة بالنضال والعنفوان الوطني كانت ملامح صورة سمير الجندي تبدو باهتة في مخيلة الصاحب فهو لا يعدو كونه ناشطا في التعليم ولم تكن جوانب أخرى من هذه الشخصية المتوارية في الظل إلى حد ما قد أطلت بكامل بهرجتها وشهرزادها وحضورها في المشهد الثقافي الإبداعي الفلسطيني .
والحق أن الصاحب لاحظ هذه الشخصية مرارا وهي تقصد مكتبة القدس العامة أو المركزية وتقضي الساعات بين دفات الكتب، فتنبه الصاحب إلى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأحس بحدسه أن هناك علاقة ما بين الجندي والكتاب والقراءة وربما الكتابة الإبداعية ولكنها كانت نوعا من التخمينات حتى ذلك الوقت تمور وتومض في ذهن الصاحب ثم لا تلبث أن تنطفئ كجمرة في ليلة باردة .
إلى أن فوجئ الصاحب بضربتين متلاحقتين، هما أن الجندي قد أصدر رواية بعنوان “خلود” وإنه ربما في ذات الوقت أنشأ دارا للنشر في منطقة القدس التي كانت يتيمة في هذا المضمار وتعاني من غياب دور النشر التي كان بعضها في حقبة سابقة ولكنها فص ملح وذاب. وهنا أكبر الصاحب في الجندي هذا التوجه الثقافي المحفوف بالمخاطر من ناحية مضايقات أولاد العم ومن ناحية عدم الجدوى الاقتصادية، فعادة شراء الكتب أصبحت عادة تقترب من الإنقراض.. وهنا أيضا أراد الصاحب سبر غور هذه الشخصية الإبداعية المستجدة على المشهد الثقافي من وجهة نظر الصاحب لأنه لم يكن يعرف عن هذا الجانب المتواري من شخصية الجندي التي كان الصاحب يربطها فقط في مجال التعليم والنشاط النقابي ليس إلا. فكان أن تمت استضافة الجندي سمير في لقاء الأربعاء في فندق ليغاسي وكذا استضافة شقيقه سامي في لقاء منفصل آخر حيث أن سامي قد أصدر كتابا باللغة الإنجليزية يتوهج كضوء الشمس عن تجربته وراء الشمس وفي ظلام سجون الاحتلال وفي حواري القدس القديمة كما يظن الصاحب أبو الظنون والفنون!
وفي هذا اللقاء الممتع تم اكتشاف أبعاد جديدة من شخصية سمير الجندي المتبحرة في عالم الثقافة والإبداع والنقد الأدبي، محروسة بثقافة واطلاع عميق على عالم الإبداع محليا وعربيا وعالميا كما يبدو من خلال نهج تثقيفي ذاتي سار عليه هذا المبدع المتطور مع مرور الزمن. وفجأة يختفي الجندي عن الشاشة ونسمع أنه غادر وطنه في ظروف ملتبسة وكرس جهوده لتطوير دار النشر خاصته التي بدأت تنشر وتطبع الكتب تباعا وخاصة للكاتب المعروف جميل السلحوت محليا وعشرات او ربما مئات العناوين الأخرى كما علم الصاحب من الجندي نفسه خلال مكالمة هاتفية من مكان تواجده في الخارج مما أدهش الصاحب من توجهاته الجميلة هذه، لنشر الثقافة الإنسانية والوطنية الإبداعية بهذا الزخم والإصرار في وقت يتخلى فيه الكثيرون ويغادرون المشهد الثقافي الى غير رجعة .
سمير الجندي حالة مدهشة وفريدة، جاءت من حقل التعليم والعمل النقابي إلى حقل المعرفة والثقافة الإنسانية الحرة، جاءت بقوة متسلحة بإرادة وعزيمة وفكر بناء وايجابي للإسهام في رفع راية المعرفة والثقافة والحث على بناء الإنسان الجديد المتعمد بنار الفكر الحر والثقافة العابرة للحدود على طريق الخلاص من العبودية والقهر ونحو ظلال الحرية والاستقلال والسيادة على أرض الآباء والأجداد .
سمير الجندي، كاتب وروائي أنيق وجريء يغوص في أعماق النفس البشرية ويطلق العنان لشخصياته للبوح والعبور إلى مناطق محرمة أو مسكوت عنها بأسلوب راقي وممتع وجذاب . وسمير الجندي ما زلت أذكره بصوته الخفيض وعينيه الناعستين وابتسامته المحيرة وكأنه يداعب زهور القدس واحواض النعناع والياسمين المنبثة في حارات وأزقة القدس العتيقة معشوقته الخالدة التي لا تموت… هنأوا واغبطوا سمير الجندي على إبداعاته الخاصة وعلى نشره روح الإبداع الثقافي في ربوع الأرض العربية والعالم قاطبة .