نظرة خاطفة
هند خضر | سوريا
أيام خالية منك أشبه بمدينة مهجورة نسيها أهلها والزمن ..
المساء إن لم يأتِ محملاً برائحة عطرك الشهي ليخترق أنفاسي لاداعي لقدومه ، فأنا لست بانتظاره ..
منذ مدة بعيدة لم أشعر بلذة مساءاتي التي باتت موحشة جداً في غيابك، خيّم عليها سوادٌ كثيف و عتمةٌ مرعبة ..
منذ افترقنا لم أنم جيداً، لقد هرب النوم مني واختبأ خلف انعكاس القمر، بات الأرق يلتهم ملامحي بلا شفقة ولا رحمة، لم أتذوق طعم الكرز بين شفاهي ولم أستطع مقاومة الدموع و حاولت التغلب عليها لكنها غلبتني، بكيت ليالٍ طويلة بحرقة ومرارة وكثيراً ما قمتُ بجلد ذاتي حتى أدماني .
ومنذ ذلك اليوم بدت لي أحزاني مجرد معبر مزيف لحزني الذي تجرعت من كأسه في لحظة، كان يوماً كالإعصار الذي لا يُفهَم، كالنار التي تلتهم كل شيء حولها ، غبار الأيام أمسى يترسب على جرحي فيلتهب كلما هبّت عليه ريح البعد و عواصف الغياب ..
لقاؤك لبرهة قصيرة من الزمن أصبح حلماً بعيد المنال، حتى أنني استبعدته من قائمة مخططاتي و وضعته خارج نطاق الأمل ولم أدرك في أعماقي بأن حلماً بسيطاً متواضعاً كهذا الحلم سيتحقق و سيعيدني إلى ذاتي قليلاً .
لقد أعلن المساء قدومه مصطحباً معه القمر والنجوم وأيضاً (أنت) ،حقاً أتى المساء محملاً بك ، بعطرك و بعينيك الفاتنتين، اختلست نظرة خاطفة إلى عينيك لتصلني إجابة واحدة على أسئلتي الكثيرة و التي أوقعتني في متاهة لامتناهية ..وبادلتني النظرة ..
إنها نظرة واحدة فقط بددت شكوكي وحولتها إلى يقين، اليقين بأنني مازلت أسكن قلبك وأغفو في مقلتيك، وبأن المسافات لم تحجبني عنك ولن يحدث أبداً، تيقنت في داخلي أن كل حلم رسمناه معاً لا يمكن أن تمحوه المسافات أو تغيّبه القطيعة ..
نظرتك بعثرتني و من ثم أعادت جمع أجزائي، جرحتني ثم داوتني، أبكتني ومن بعدها أسعدتني ..
أسعدتني كثيراً هل تعرف لماذا؟
لأنني كنت في لحظتها بأمسّ الحاجة لمعرفة أين أنا في عالمك فجاءت نظرتك وانبثق من عينيك شعاعاً اخترق زوايا قلبي و تسارعت نبضاته، وكادت أن تخرج لتعانق نبضات قلبك، لتخبرك بحجم الشوق لك و اللهفة لعينيك.
أن تشعر بشوق لعينين سكنتهما ذات يوم ممكن، أما أن تشعر بأن هذا الشوق يداهمك ويبقيك مستيقظاً فهو أمر مرهق للغاية ..
حكايتي مع عينيك تشبه الدائرة فهي تبدأ من نقطة وتنتهي في نفس التقطة، عيناك فيهما من الغواية ما يكفي لتوزيعه على متسكعي الحب ..
على ذاك الباب العتيق الذي تتدلى فوقه عرائش البنفسج الحالم العابق برائحة الحزن ودعنا بعضنا رغماً عنا،
ودعتك ..ودعت تلك العينين اللتين هما بالنسبة لي معجزة حصلت على كوكب الأرض و العجيبة الثامنة في الدنيا، وددت تقبيلهما آلاف المرات، وددت أن أغازلهما حتى تبدأ خيوط الصباح الأولى بالتباشير بيوم جديد ..
تمنيت أن تطول تلك اللحظة قليلاً لأخبرك أنني اشتقتك، بل أذوب شوقاً و حنيناً، واشتياقي لك حد التعب ..حد الاختناق ..
تمنيت أن أخبرك بأنني مازلت أحبك، لطالما عرفتني أحبك ولكن حبي لك أدرك أنه يؤلمك، وأنا لا أريدك أن تتألم، مازلت الأنثى التي تهبك روحها وتنتزع السعادة من بين ضلوعها و تزرعها في طريقك، فكيف لي أن أرضى بألمك و تعاستك؟ !
حبي لك أسمى كنز، ولكن.. لأنني على يقين بأنه سيسبب لك الوجع سأدفنه في قلبي لحين موتي، تذكّرني لحظة خروج روحي من جسدي وقل لنفسك:
كم خبأتني في روحها خوفاً عليّ!
كم ابتسمت لي وهي تبتلع وجع مدينة في داخلها!
كم اشتاقت ، حنّت،حلمت، تألمت، سهرت، ذابت كشمعة وكادت أن تفقد عقلها !
وأكثر ما ستردده حينها:
كم كانت تحبني!