الحقيقة المرة
الدكتور محمد طاوسي | كوتش دولي
أتأسف كلما كتبت مقالا أو طرحت تصريحا، أكتشف أننا بعيدين كل البعد عن معالم الجد والإجادة الصحيحة، و كلما اتصفح بعض الصحف و المواقع الالكترونية أجدها واقفة على بوابة الجهالة و الجاهلية، وباعثة للكآبة النفسية التي من المفروض أن تكون عكس ذلك، وما صرح به أندرو تيت بعد لقاره الصحفي الأخير مع BBC وكشفه لحقيقة الاحداث من خلال نشره المحادثة الكاملة له معهم و التي استغرقت 38 دقيقة و قد اختصروها هم في مدة 9 دقائق يوضح بجلاء حقيقة اللاعبثية التي يتم تدبير شؤون العالم بها من طرف نخبة احتكار سماها “Matrex”
فمنذ القدم، هناك شخصيات و فئات مشبعة بالسلطة والتحكم و محملة بمرض الاستكبار والاستعلاء بمختلف المستويات ، لدرجة الذكاء الخارق في الغش واستغلال كل النفوذ و استعمال كل أساليب الاحتكار والتملك و الألوهية كالنمرود و قارون و فرعون وغيرهم كثير ، و في زمننا هذا التاريخ يعيد نفسه لكن بحلول عصرية و ألوهية اشد وطأ ووقاحة من سابقاته ، و الغرض من هذا كله هو امتلاك القلوب والنفوس واستعباد العالم كله، وكل هذا هو إنشاء نظام جديد الاستعباد عن طريق توليد مناخ من الميوعة و ضرب الأخلاق الإنسانية و استباحة الباطل باسم الحريات و الحرية المضادة (الحرية الجسدية والحرية المثلية الجنسية)، مع هدم الأسرة والعائلة و اشعال الحروب لاسباب واهية وذرائع وهمية كي يزيد تحكمهم في السيطرة على العالم كله، ولو أنهم استغلوا نسبة من هذا الذكاء الإنساني في التركيز على بناء الشخصية الإنسانية و فهم قدرات الإنسان و نشر روح الخلافة في الأرض لكانوا ناجحين في امتلاك الكون كله بشرف و امتياز ، و لأقاموا معاني العمارة الصالحة المصلحة التي تدعم الوجود في نشر الخير
إن هؤلاء الشركة المتحكمة في المنظومة البشرية، التربوية منها والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية والفنية هي شركة للنصب و استنزاف الموارد و الأموال عن طريق منظومة مغشوشة قدرة بامتياز من جميع النواحي، غير انها مغلفة بأسماء براقة ومثيرة كالديمقراطية و المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية دون العمل على صياغة المستقبل الحقيقي للذات البشرية بشكل واضح وصريح، فهذه الشركة “Matrex” غايتها ان تبني مجتمعات فاشلة ضعيفة يسهل استعبادها و السيطرة عليها عبر العالم حتى في الدول الكبرى مع تفاوت في مستوى الاستعباد حسب الغايات و المناطق والحيثيات الاجتماعية لكل بلد، فقد اصبحت الأسرة ينخرها الجهل والجهالة، ومع الأسف انفلتت القيم من بطن الإمهات، وما اصبح أفرادها يعرفون هذه القيم الإنسانية التي ميز بها الله تعالى الإنسان عن كل الكائنات الحية الاخرى، فالقيم هي مفاتيح عقول و قلوب البَشَر التي تزين شخصية الإنسان وتجعله في احسن قوام و تقويم .
يكفي أن أندرو تيت الذي كان مسيحيا وكان ينتقد سلوك المسيحيين وعايش كل الاثنيات ودرس الديانات أصبح مسلما و تعرف على قيم الإسلام بنفسه رغم غناه و ما يمتلكه من ثروات مالية ما يجعله يعيش فوق مستوى العالم كله دون إثارة للجدل والدفاع عن الفطرة الإنسانية السليمة و الذوذ عن معالم الطريق الصحيح والرجولة الحق كي تستمر الحياة في طبيعتها و تستمر عجلة القيادة في تطوير الأخلاق و القيم نحو الأفضل و الاحسن و الارقى، مما يجعلنا نشاهد بأمهات أعيننا مدى قدرته على رفع مستوى الوعي الادراكي دون خوف و لا وجل من أحد و هذا ما صرح به ..
إن العالم الآن يعيش مخاضا عنيفا ومنعطفا خطيرا ما من شأنه أن يعيد توازن القيم والسلوك او يقلب روح الانسانية رأسا على عقب، عندها لن تكون الحاجة إلى التفكير في قيم لدى البشر ما داموا أصبحوا دمى متحركة في يدي فئة تسيطر على العالم كله، وعندها لن يكون خير على وجه البسيطة لأن البشرية ببساطة تركت الفطرة السليمة و تجاوزت مرحلة الصفاء إلى درك الانحطاط بل و تركت كل القيم والمبادئ المهمة المحمودة وراء ظهرانيها و انحطت في مستنقع البؤس البشري !
إن معظم المخططات ستجعل البشر على يقين بأن القادم أشد رعباً و قسوة من الحاضر، و هذا مخطط له عمدا ، لذلك من البديهي والمنطقي بأن يسعى كل عاقل و واع للرحيل من البلدان التي يستشري فيما بينها الفساد طالما هو قادر على الرحيل حتى و إن كانت موطنه الأصلي، أما من يعجز عن الرحيل فيجب أن يتوقف عن الاستسلام الانحطاط و يحارب التأقلم السلبي معه ويكف عن المزيد من الضحايا نحو هذا الجحيم المغلف بالاكاذيب الديمقراطية و غيرها، و أن يسعى لتثبيت الأخلاق الإنسانية وتعديل السلوك البشري بروح من التفاؤل الذي هو مغناطيس السعادة الحقيقية إن حافظ فعلا على الفطرة السليمة التي يجب أن نحيى بها، فإذا حافظنا على هذه الفطرة كان توهج جديد للحياة بالشكل الايجابي ، فينجذب الناس الطيبون نحو الخيرية و الصلاح، و تنقشع الأفاق نحو الأشياء الجميلة .
إن هذه الحياة هي ساحة الوغى النفسي و الروحي والقلبي التي تظهر نزوات النفس البشرية المضطربة من الفطرة الإنسانية السليمة فتميز الخبيث من الطيب، تبين الحقيقة من الزيف، فلا ندعها تسلب مشاعرنا او تقتل فيها روح النخوة و الآنفة الإنسانية، وحين تضيق بنا الاحوال علينا أن لا نبكي بل ان نكون رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، صدقا في الوغى كراما في النفوس، أعزة في القلوب والأرواح ، و لنسجد لله حبا و كرامة .
و مهما كان هؤلاء الذين يظنون أنهم يملكون العالم يحسبون أنهم أقوياء و انهم قادرون على كسر الأرواح وأن استعباد العالم هينا، فإن كرامة الإنسان و روحه عند الله أمر عظيم ، و عليه وجب على الإنسان ان يتحرر من العبودية السلبية السالبة لكرامته و يصنع ذاته بالتحرير الحقيقي للذات من عصابة “Matrex”، فليس الحياة أن نحلم فقط بالنجاح، بل أن نعمل فعلا من أجل هذا النجاح و الكفاح بشكل أفضل للحرية النفسية و الاجتماعية و الذاتية .
في الماضي كان الغش و الفشل و الباطل مستورا و غير ظاهر العيان اما الآن فلقد أصبح مباحا و بالعلن على مرأى من الكل، حتى اصبحت الغالبية العظمى تدافع عنه بدعوى قصر ذات اليد، فاخذ الأباء يدافعون عن غش ابنائهم و الإعلام يدافع عن باطل متحكميهم واللوبيات المتحكمة في رقاب الناس تدافع عن سياستها باسم الحريات العامة و الحرية المضادة، وهذا كله غش و تدليس، ونحن نعي ان من غش ليس منا، وهي كانت عبارة مفيدة و لها قيمة أخلاقية قويمة، أما الآن فقد اصبح الغش بمرتبة الذكاء الذاتي مع رتبة شرف وأصبح الباطل مدعاة التفاخر والتباهي بدرجة عميد، والغريب أن المسؤول الأول عن هذا الحال ليس المتحكم في المنظومة الكونية وإنما المستعبد المتهالك المستهلك والمستخف به إذ أنه هو الطائع المطيع لهذه الشرذمة المتحكمة في رقاب الشعوب، قال تعالى “فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين” صدق الله العظيم !
إننا على شفير الانحطاط و فقدان التوازن الإنساني الذي هو اساس الوجود و عمارته، و الطريقة الانجع و الافضل هي التواصل الفعال من أجل محاربة ظاهرة الفساد الاخلاقي الممنهج و الذي يتطلب منا تجديدا صحيحا لمعالم الفطرة الإنسانية السليمة وتغييرا لمنظورنا للحياة لإرجاع التصالح مع النفس، فلبيت هذه الحياة عبثية او دون قيمة و هذا ما يتعامل به هؤلاء الأشخاص الذين تشتهي نفوسهم امتلاك الكون إلا أنهم يبثون سموم العبث في المنظومة الكونية .
فأسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يحد البأس وأن ينبهنا لعيونا ويجعلنا ممن شملهم العفو والعافيه وجعلهم من اهل الصلاح و الفلاح و الاستخلاف الحقيقي