من أنا؟

مرفت العريمي | مسقط

هل وقفت يوما أمام المرآة وتمعنت النظر إلى نفسك وتساءلت من أكون؟.. هل جربت يوما تحليل نفسك كما تحلل الشركات أداءها وذلك بمعرفة نقاط القوة والفرص والتحديات ونقاط التطوير، القدرات ليست واحدة والإمكانيات تتنوع لكن هل يعي كل منا ذلك؟ كثيرا ما نسمع عن أشخاص يقولونأاريد أن أحقق ذاتي ولا أفكر في كذا أو كذا .. فما هو الذات وكيف يمكن أن نعي بها .. الوعي والإدراك بالذات يعنى مدى معرفة الشخص لنفسه وأفكاره وأفعاله فالإنسان الواعي يتصرف وفقا للمعرفة التي تحركه.

وعلى مدار الزمن واجهة الإنسان تحديات كبيرة لكن قلة معرفة الإنسان بنفسه وبالدور المناط به كان سببا في بعده عن اتباع المسار الصحيح، فلا يعلم هل هو على صواب أو على غير ذلك هل يمتلك من القدرات والإمكانيات أن يقوم بعمل ما أو لا يملكها.. فلكل منا نقاط قوة ومميزات حباه بها المولى – عز وجل – قد يكون قدرة على التسامح مع الآخرين أو ذكاءا اجتماعيا يمكنه من التواصل وكسب شعبية من حوله، أو يدا ماهرة تصور الطبيعة ببراعة وجمال، لكن المميزات بشكل عام تختلف من فرد لآخر ولا يتساوى شخصان في القدرات والإمكانيات، وذلك التفاوت يحقق توازن في الكون.

وفي الوقت نفسه فإن الانسان الواعي العارف بنفسه لديه القدرة أن يعزز من قدراته وأفكاره حتى يحقق هدفه المنشود، فمعرفة الإنسان بذاته معرفة تامة يساعده على تحقيق أهدافه وأحلامه، يعتقد البعض أنه لا يملك شيئا، لأن مفهومه للمميزات والقدرات مفهوما ماديا بحتا في حين أنه يملك كل شيء، فالصحة والعقل السليم والثقافة أدوات كافيه لتنمية الذات وتطويرها.. فبمعرفة الذات وتنميتها يمكننا أن نحقق الكثير والكثير، وتنمية الذات وتطويرها تكون بمساعدة النفس فإذا لم يكن لدي الرغبة في مساعدة نفسي لا أتوقع أن يساعدني الآخرين فمفهوم الاتكال على الغير وانتظار أن يساعدني الآخر دون أن أحرك ساكنا لم يعد مقبولا في ظل تهافت الناس على متابعة حياتهم وتحقيق ذواتهم وهذا حق مشروع لكل إنسان.

وفي مقابل ذلك لدى الإنسان نقاط تكون بحاجة إلى التطوير وهي نقاط ضعف وبطبيعة الإنسان أن لا يلتفت إلى جوانب قوته ويستفيد منها بل على العكس من ذلك ينظر دائما إلى ما ينقصه ويتخذه سببا رئيسيا لتأخر تقدمه خطوات ملموسه في حياته.

ومن أكبر التحديات التي قد تواجهه الإنسان المدرك لذاته وإمكانياتها تغلب الأهواء والميول على الأهداف فيضل الإنسان عن الطريق ويتأخر عن الركب ويصبح في نهاية المطاف نموذجا غير جيد غلبته الأهواء عن تحقيق غايات أسمى.

 ويتخذ البعض من الأسباب المادية أيا كان نوعها عاملا اساسيا في تحقيق أحلامه فتمر أعوام عام بعد عام دون أن يخطو خطوة غلى الأمام منتظرا ان تتحسن حالته فيصل إلى مرحلة متقدمه من العمر وتظل أهدافه مجرد أحلام في الخيال هنا الملامة نوجهها غلى الظروف والحظ.

وإن نظرنا وبحثنا حولنا لوجدنا نماذج ناجحة حققت مبتغاها ولم تكن يوما شيئا تذكر ليس لأنهم محظوظون ولكن لأنهم مثابرون فهموا ذواتهم وأدركوا نقاط قوتهم واستثمروها استثمارا أمثل فكانت النتيجة نجاحات مبهرة. 

وأتذكر قصة المليادير اليوناني أوناسيس الذي عرف ذاته وقدراته فاستثمرها في التجارة وبمبلغ لا يزيد عن 63 دولارا بدأ مشوار حياته العملية وحيدا وفي ظروف لم تكن يسيرة لفتى في عمره.

فمعرفة الذات يعني أن نكون على أتم استعداد أن نقيّم أنفسنا تقييما مجردا من العاطفة، هنا نرى أنفسنا بمنظور شفاف دون رتوش أو إضافات ونترفع عن الذاتية في تقييم ذواتنا فنصبح كمجلس إدارة شركة عندما تقرر وضع استراتيجية عمل للتقدم بالشركة وتحقيق أهداف وأرباح اكبر .. عندما نستطيع أن نصل إلى هذه المرحلة نكون أكثر قدرة على تقدم خطوات إلى الأمام لأننا استطعنا أن نعرف على أي موقع قدم نحن أو كما يقال أين موقعي تحت الشمس فبمعرفة موقعك تستطيع تحديد مسارك وماذا تحتاج لبلوغ أهدافك وتحقيق ذاتك.

والإنسان العارف بذاته هو إنسان واقعي، متقبل لنفسه مركز على أهدافه وقادر على تخطي التحديات. والإنسان العارف بذاته هو إنسان مستقل، مبدع، ديمقراطي يتقبل الغير مهما كانت سماته. واعرف نفسك وقيِّمها – بمنتهى الحياد – وفي ورقة صغيرة اكتب نقاط قوتك ونقاط التي بحاجة غلى التطوير، وسجل التحديات التي تواجهها على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد المجتمعي.. اكتب عن الفرص المتاحة أمامك وكيف يمكنك أن تبلغ أهدافك.. ارسم لنفسك “خارطة الطريق” وضعها أمامك ستكون مقبلا أكثر على الحياة مدركا لطبائع الأشياء من حولك.

يحكى أن شخصاً عندما بلغ من العمر عتيا قال: كنت أريد تغيير العالم عندما بلغت العشرين، وقد وجدت أنه من الصعب تغيير العالم، لذلك حاولت جاهداً أن أقوم بتغيير بلادي عندما أصبح عمري أربعين، وعندما وجدت أن هذا أيضاً صعباً، عندها حاولت بكل ما أوتيت من قوة أن أغير مدينتي وقتها كان عمري 60 سنة، وقد وجدت أن هذا كذلك صعباً، وبعد أن بلغت الثمانين عندها حاولت أن أغير عائلتي، والآن وبعد أن أصبحت رجلاً كهلاً… أدركت أن الشيء الوحيد الذي كان يمكنني أن أغيره هو “أنا”، إذ لو كنت قد فعلت ذلك بالماضي… لاستطعت أن أغير عائلتي ومن بعدها مدينتي ومن ثم بلادي وأخيراً العالم. 

البداية تكون بك وعندما تنتهي من ملء فراغاتك بالقيم المناسبة سترى العالم قد تغير جملة من القيم المهمة من أهمها العطاء .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى