هنــاك!

ياسمين كنعان | فلسطين

أمرّ صباحاً على ذاكرة المكان، من شارع اتسع قليلاً إلى واقع ضاق كثيراً، ألمح الطفلة ذاتها بجديلة طويلة ، وحقيبة مدرسية صغيرة، تعبر الزقاق الأخير صوب بدايات الحلم ، تلتقط فتات الحلم عن النوافذ المشرعة للشمس، تنحني على ياسمينة معلقة على سياج الواقع، تلتفت صوب السماء المنتشية بغواية الأزرق، تمد كفها الصغيرة إلى غيمة قطنية، تخبئها في جيبها الصغير، تتجاوز سور المدرسة والبناية ذات الطوابق الثلاثة، تنزع حقيبتها المدرسية وتعلقها على السروة، تسلم قدميها للريح، تعبر صوب مطلع الحكاية، ترتب ذاكرة المكان، تمنح شقائق النعمان لونها ، والبنفسج غوايته ، والياسمين عبقه .. لمحتها تركض نحوي، فراشة من نور، وجديلة من سنابل قمح نضجت قبل موعدها، ناديتها باسمها القديم المعلق على أهدابها، حاولت أن أستوقفها قليلاً ، عبرت من خلالي كضباب، ركضت صوب المنحدر الأخير، كتمتُ صرختي أن تمهلي يا صغيرة يا من كنتها يوماً ولن تصيرني أبداً.. ينقصني ماضي لأصيرك وينقصك حاضري لتكونيني يا صغيرة، أنا أنت ، أنا وأنت نحن، لكن أحدهم عبث بالفصل الأخير من الحكاية، أحدهم بعثر السنوات على المنحدر، أنقصك سنواتي القادمة، ونزع من عمري عشر سنوات، أحدهم تركك على السفح تسابقين الفراشات والغيمات ، وسحبني منك بعيداً، فصرنا أنا وأنت !! كلا ، ليس هذا ما حصل تماماً ، أحدهم سرق كل السنوات التي كانت بيننا ، وتركنا هناك على مشارف الهاوية ، لا أنت أنا ولا أنا أنت ولا أنا أنا !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى