حكاية اللون الأزرق
ياسمين كنعان | فلسطين
الحق كل الحق على جدتي؛ كانت تقص علي الحكايات الغريبة وكنت أصدقها، ويحلو لي أن أصدقها!
كانت تفرش قطعة القماش الملونة على الأرض، فوق التراب، تحت شجرة الزيتون العتيقة التي زرعها جد جدها فوق ” السنسلة” التي تشكل حدا فاصلا بين أرضه وأرض الجيران.
ثم تقوم بتجميع حجارة “القال” الخمسة وكنا نحن نتناوب اللعب معها.. وتبدأ تقص علينا نحن أحفادها قصصها الغريبة!
وكنت أنا أكثرهم تصديقا، وأكثرهم مشاكسة أيضا، وكنت كثيرة الأسئلة.
مرة سألتها وهي تحكي لنا حكاية “جبينة”، وكان السؤال كالعادة في غير محله، ففي رأسي الصغير كانت تزدحم الكثير من الأسئلة ولم أكن أطيق صبرا أن أصمت عليها..لذا قاطعت حديثها وسألتها دون مقدمات، جدتي لماذا يقفل جدي أزرار القميص كلها من الزر الأول حتى الأخير، وكيف لا يختنق؟!
سكتت برهة، وصارت تقلب أفكارها وحجارة “القال”، تقذفها عاليا، تكمش الحجر الخامس عن الأرض وتلتقط ما تبقى بظاهر يدها مرة وباطنها مرة أخرى!
نظرت إلي متفحصة بعد أن أوقعت كل الحجارة وخسرت الجولة..قالت بعد صمت ” جدك ككل الرجال يخفي الحكاية في صدره؛ وخلف كل قميص حكاية؛ واكتشافها يبدأ من الزر الأول…عندما ينفتح الزر الأول تتكشف الأسرار، ففي صدر كل رجل؛ تحت قميصه تماما غيمة..تلك هي غيمة الحكاية!
تركتني لحيرتي وعادت مرة أخرى تلتقط الحجارة، أما أنا فسرحت بأفكاري بعيدا ..تركت عيوني تسافر في السماء وتتبع رحيل الغيمات وتشكلاتها!
ومن يومها وأنا مهوسة بالقميص الأزرق والغيم، أتخيل شكل الغيمات وألوانها وحكاياتها!
وكبرت ونسيت أن أنسى تلك الحماقات الصغيرة؛ ويوم وقعت في حبك، أحببت أزرقك أكثر من أي شيء آخرى، و انتظرت طويلا أن تمتد أصابعي النحيلة الطويلة إلى الزر الأول منه..انتظرت أن أرى الغيمة الصغيرة البيضاء. .وحين لامستها بأطراف أصابعي تلاشت فجأة وكأنها لم تكن!
تلك كانت حكايتي معك؛ سريعة، هشة، بيضاء..تلاشت قبل أن تكتمل!