عصام العاروري .. قدوة شبابية ونظرات واقعية في النضال والحياة

بقلم: محمد زحايكة – القدس

من زملاء  الدراسة الجامعية في جامعة بيرزيت اوائل ومنتصف ثمانينيات القرن العشرين والذي من الصعب نسيانه لجمال روحه ولطف معشره وواقعيته وتبصره بالأمور .. الزميل والصديق عصام عاروري الذي التحق مدة من الزمن بركب الصحافة بعد التخرج مباشرة على ما اظن حيث عمل في جريدة الطليعة الاسبوعية لسان حال الحزب الشيوعي الفلسطيني ثم حزب الشعب على زمن الراحل المناضل بشير البرغوثي ابو العبد وربما كذلك زمن خليفته في رئاسة تحرير  الجريدة الكاتب المعروف محمود شقير  . وكان الصاحب الذي عمل مبكرا في صاحبة الجلالة في الزنزانة ، يتباهى في تلك المرحلة بأن عددا لا بأس به من الكوادر الطلابية الجامعية على مختلف مشاربهم السياسية  قد عملوا بالصحافة المحلية او العربية او الأجنبية  فور تخرجهم ومن بينهم بسام الصالحي  ونايف سويطات وسمير صبيحات  وربحي العاروري  وناصر عطا عبد الجواد  وعبدالله السعافين  وغسان جرار   الى حد ما   وإبراهيم جوهر  وحسن عبدالله وسعيد وراسم عبيدات من جامعة بيت لحم    وآخرين .

يذكر الصاحب انه كان يلتقي بعصام العاروري بين الفينة والأخرى ويتجاذبان أطراف الحديث في قضايا سياسية واجتماعية ، كأي فلسطينيين عندما يلتقيان فلا بد ان يكون الهم العام والسياسة احد محاور النقاش  لا محالة . ولكن موقفا وذكرى لا يمكن أن ينساها الصاحب وهي سهرة طلابية جمعت مجموعة من الزملاء الطلاب في السكن الطلابي الذي كنا نقيم فيه على مدخل  بلدة بيرزيت  أيامها  وكنا نطلق عليه  ” كومونة باريس ” ..  وما زلت اذكر  بوستر  من الحجم الكبير ملصق في المردوان عليه صورة معلمي الطبقة العاملة ومفكريها  ماركس ولينين وانجلز وكتب عليه .. الماركسية اللينينية راية العصر .. وكان يقال ان  هذا البيت القلعة كان مقرا  لقيادة جيش الجهاد المقدس بزعامة الشهيد عبد القادر الحسيني .

المهم ، ان سهرة ممتعة  بدأت في تلك الأمسية وضمت حوالي 15 طالبا معظمهم من العارورية كما اذكر غازي العاروري وفيصل العاروري ورياض العاروري وربحي العاروري

وهايل كسابرة وهشام عبدالله ورزق شقير ورباح جبر ورباح عطاري ووليد عوض زقوت ووليد محمد  زقوت وحمزة ويحيى  زقوت وآخرين لم أعد اذكرهم . وكان ضيف الشرف او ضيف السهرة عصام عاروري . وفجأة احتد النقاش السياسي والحزبي  مع عصام العاروري واخذ منحى تصاعدي . ولكنني بيني وبين نفسي ، اكبرت موقف عصام ودفاعه عن موقفه بشرف وبسالة رغم  تكاثر  المعارضين له ومحاولة محاصرته في زاوية وخانة ضيقة وسد المنافذ أمامه ، الا انه بقي متمترسا وصلبا   في توضيح وجهة نظره المخالفة باصرار  وعناد حتى لم يبق أمامه مناص سوى الانسحاب من النقاش قبل أن يتطور  الى شيء أسوأ . وحقيقة ، فإن الصاحب انزعج من نهاية السهرة والنقاش بهذا الشكل . ولكن الصاحب كان يدرك طبيعة النقاشات الطلابية حامية الوطيس  والتي عادة ما تكثر فيها المزايدات والحماسات والمشاحنات  والعنتريات . والكل يريد أن يسجل لحزبه او فصيله اروع المواقف وصوابية  الرأي واكبر الأثر  والتأثير في قيادة النضال الوطني نحو  الحرية والتحرير وكنس الاحتلال .

بقيت  هذه الحادثة عالقة في ذهن الصاحب ، ثم جرت مياه كثيرة في نهر الأردن وفي نهر التحولات السياسية الفلسطينية خاصة بعد اتفاقيات أوسلو ، وأصبح التواصل مع الزملاء امثال عصام عاروري نادرا بسبب اجراءات الاحتلال وحرمانهم من  دخول مدينتهم ، مدينة القدس التي كانوا يتواجدون فيها يوميا قبل الغضيب أوسلو  . واخذ الصاحب يتابع اخبار  بعض الزملاء المحرومين والممنوعين من الوصول إلى مدينتهم كل سنة مرة على رأي فيروز .. إلى أن بدأت موجة وسائل  التواصل الاجتماعي في تقريب المسافات ، والاطلال من هذه النافذة على كثير من الزملاء والمعارف والاصدقاء وتبادل المعلومات واستئناف العلاقات  ولو عن بعد ، فالقطعة ولا القطيعة ، وتبين ان عصام عاروري ينشط في مؤسسة حقوقية ومجتمعية ويجوب الأرض الفلسطينية طولا وعرضا للقيام بمهمات تعمل على تعزيز صمود المواطنين في أرضهم ومساعدتهم في تنمية مواردهم كي يكونوا  قادرين على الثبات والصمود والاستمرار على ارضهم المهددة بالمصادرة في كل وقت .

عصام عاروري ، يجسد حالة من بناء الذات وتوظيف قدراته ومهاراته في الخدمة العامة والسعي الجاد لتغيير الواقع البائس من خلال عمل تراكمي طويل النفس  وتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض تستهدف اساسا الفئات المهمشة والمحرومة التي لا تستطيع في الغالب إيصال صوتها الى الجهات العليا صاحبة القرار  .

وعلى المستوى الشخصي ،  عصام عاروري ناشط ميداني فاعل ومؤثر ويحمل في قلبه مشاعر إنسانية متدفقة ورقيقة ويطرح وجهة نظره بكل واقعية  وموضوعية بعيدا عن الفبركة والتجني والمزاودات الرخيصة وتسجيل المواقف  ، فهدفه ان يجمع ولا يفرق  وهو مدرك ومقتنع  ان الوحدة الوطنية  على أسس حقيقية وديمقراطية تضم جميع  مكونات الشعب الفلسطيني من شأنها ان تقربنا من حلم تحقيق الانتصار  شرط الإبتعاد عن سياسة الاستفراد والهيمنة في اتخاذ القرارات المصيرية .

هذه لمحة خاطفة وومضة سريعة عن شخصية عصام عاروري كما احس بها الصاحب . ولا بد من الإشادة بعطاء هذه الشخصية النشيطة والمؤثرة  في مجالها والتي تجسد قدوة حقيقية ورائعة لجيل الشباب كي يبني ويحقق ذاته لتكون عنصرا  نافعا  ومفيدا   لمجتمعها  الذي ما زال يبحث عن مكان له تحت الشمس . أجمل التحايا للزميل والصديق عصام عاروري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى