يا مرحبا.. بنسيبنا وبنسيب نسيبنا
بقلم: سهيل كيوان
أوحى لي جيراني في مكان سكني الأول، بقصص ومقالات كثيرة. رغم الاكتظاظ في الحي القديم، فقد حافظنا على علاقات إنسانية جيّدة.
ابتعدنا عن بعضنا في المسكن، ورحل بعضنا عن الحي القديم، وبقي حق الجيرة، عندما نلتقي نتخاطب باحترام، ونتبادل الزيارات في المناسبات الخاصة مثل الفرح أو التّرح.
دخلت دكاناً لبيع الأدوات المنزلية، فالتقيت أحدهم، كان جالساً قبالة صاحب الدّكان، وما إن رآني حتى بادرني قائلاً: أهلالالالان أبو الجار، ها أنت جئت بقدميك، كنت أفكر في زيارة خاصة لك..
– أهلاً وسهلاً، تفضل الآن إذا سمح وقتك…
– هل تعرف لماذا كنت سأزورك؟
– لا.. تفضل على أي حال..
– أحمل لك سلاماً حارّاً جداً جداً…
– شكراً شكراً، ممن؟
– لحظة لحظة..
حكّ رأسه الحليق حتى الصِّفر، وقال: السّلام ما زال طازة، قبل يومين فقط، أوصاني أن أوصله …ع.ع…لأ لأ مش عبد، صاير أنسى،
نسيت اسمه، لكنه من بلد ما من المثلث!
– أعرف كثيرين من المثلث!
– إنه آدمي، محترم جداً، مثل فضلك.
– طبعاً، أنا لا أعرف سوى الأوادم والمحترمين..
– يا الله كيف راح اسمه عن بالي، لكنّه آدمي آدمي، يجب أن أعثر على اسمه، لأنه أوصاني بسلام حار جداً جداً لك، إنه يعرفك جيّداً، قلت له، هذا جاري، أعدك بتوصيل السَّلام!
– طيّب، قل لي من أي بلد، فقد أتذكّر من هو؟
– من قرية في المثلث!
– أي مثلث، الشَّمالي أم الجنوبي؟
– لحظة لحظة، أنا مجبور أتذكر..
شعرت بأنني أحرجته، كثيرون ممن يعيشون في الشمال لا يميّزون بين المثلث الشمالي الذي يبدأ من أم الفحم وجوارها وهي أكثر من عشرين بلدة، وبين المثلث الجنوبي الذي يبدأ من قلنسوة- الطيّبة- والطيرة حتى كفر قاسم- وكفربرا وجلجولية، وجميعها يفصلها الجدار العنصري عن مدن وقرى الضفة الغربية المتاخمة لها مثل جنين وباقة الشرقية وقلقيلية وطولكرم..
– يبدو أن الهَرم قد بدأ، لقد صرت أنسى كثيراً يا جاري…
– عليك بالصَّنوبر والزَّبيب، إنه جيّد لتحسين الذاكرة، أحكي لك عن تجربة…
– لحظة لحظة، رقمه معي، هاتفته بالأمس، بل أول من أمس، الله يعيننا على الصِّدق، اطمأننت عليه، عندما خرجنا من المطار، تعرَّفت عليه خلال رحلة في جورجيا…
– كنت في جورجيا؟
– عشرة أيام، إنها رخيصة جداً، صرت أفكر بالعودة إليها..
– كنت في العاصمة تبليسي؟
– لا في بلد على البحر الأسود، أهلها أوادم أوادم، كن محترماً، وسوف يحترمونك، يعني ممكن أن يدعوك بعضهم إلى بيته، مثلنا، احترم نفسك يحترموك..أما إذا شعروا أنك هامل!! يعني إذا عينك لعبت هيك أو هيك! خلص، أكلتها، تتبهدل.
– ليس فقط في جورجيا، هكذا في كل مكان، في مصر وفي الصين وفي البرازيل وفي ألمانيا وفي جنوب أفريقيا، حتى عندنا، احترم نفسك يحترمك الناس!
– صحيح..صديقك هذا أراد الذهاب من هناك إلى تركيا ومعه زوجته، أنا تعرَّفت على أناس هناك ونصحوني، قالوا لي بأن من يذهب من هذا الطريق البرِّي إلى تركيا سوف يعاني، نصحته بأن لا يذهب، لكنه أصرَّ، المسكين قضى نهاراً كاملاً على نقطة الحدود الجورجية التركية ثم عاد، رفضوا إدخاله…
– لماذا؟
– لا أعرف، ربما فحوص كورونا، ربما علاقات تركيا وجورجيا، الله أعلم!
– ما أعرفه أن العلاقات جيَّدة بين هذين البلدين..
– لا أعرف السّبب، السَّفر من المطار عادي، لا مشكلة، أما الطريق البرِّي فمشكلة، المُهم عندما عرف أنني من مجد الكروم حمّلني سلاماً حاراً لك، قلت له هذا جاري، والسّلام سوف يصل، وها أنت جئت بنفسك.
– لو تذكر اسم عائلته، أو اسم بلده، ربما عرفته!
– لحظة لحظة، أنا حكيت معه قبل يومين.
راح يبحث في أرقام اتصالاته الأخيرة، ثم قال: لحظة، أعتقد أن هذا رقمه، لحظة أرن له…
بعد بضع رنات ردّ شخص ما، لكن هذا ليس الرجل المطلوب، فاضطر أن يعتذر ويشرح للرجل الخطأ، ثم تأفّف: أنا من دون نظارتي لا أرى جيَّداً..
– خلص مِش مهم، لا تتعب نفسك، لي الكثير من المعارف في المثلث، قد يكون مُعلِّماً في مدرسة زُرتها، وقد يكون أحد الزملاء الذين عملت معهم في الصحافة أو أحد الكتّاب، السَّلام وصل.
عندما يلتقي غرباء، في رحلة مثلاً، يحاولون العثور على أشخاص مُشتركين يعرفهم الطرفان، وعادة ما يوصون، وحياتك سلّم لي عليه كثيراً…قل له إنَّ فلاناً يسلم عليك. رغم أن العلاقة قد تكون سطحية أو حتى شبه معدومة.
– المهم أن السَّلام حامي حامي، يعني الزلمة يعرفك مليح مليح، يشهد الله ماذا حكيت له عنك، قلت له هذا الزّلمة جاري، وآدمي مثل فضلك، مِش بوجهك، والله العظيم دائماً أقول عنك آدمي، حيث تُفتح سيرتك..
– من ذوقك…
– صرت أنسى كثيراً، اسمه على راس لساني، بتصير معك؟
– طبعاً صارت وتصير، لكن كُل زبيباً وصنوبراً، اسمع مني، هذا عن تجربة…
– يا الله، اسم بلده كمان على راس لساني..
بحثَ مرَّة أخرى مُصراً أن يعثر على الرقم…رنَّ، رد رجل، فتهللت أساريره..
– اسمع أخي، كيف حالك؟ معي واحد آدمي أنت تحترمه جداً، حمَّلتني سلاماً إليه، ها هو هنا بحاله، خذ احكِ معه…
– هالو…
– أهلاً أهلاً…
– مرحباً، معك فلان، كيف حالك؟ جاري المحترم أوصل لي سلاماً حاراً من حضرتك، أشكرك جزيل الشكر، من حضرتك بلا مؤاخذة؟
– أهلاً أهلاً بك، أنا من جلجولية، أنا متزوّج قريبة زوجة نسيبك من الطيّبة، يعني أنا نسيب أقرباء زوجة نسيبك أبو…
– آه عرفتك عرفتك الله محييك، جاري أوصل السَّلام بارك الله به وبك، تفضلوا زورونا، تعال أنت ونسيبنا…
– خلص، أعدك بزيارة برفقة نسيبك..
– يا أهلاً ومرحباً بنسيبنا وبنسيب نسيبنا..
– تسلم تسلم… والنّسب عند الأوادم أهل..
– طبعاً أهل، إذا في الدنيا خير..