الشاعرة لميعة عباس عمارة.. استذكارات، وحضور مستمر
بقلم: عبد الرزاق الربيعي
منذ رحيل الشاعرة لميعة عباس عمارة يوم الجمعة الموافق ١٨ يونيو الماضي، عن عمر ٩٢ في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تقيم منذ سنوات، والأوساط الثقافية تتحدّث عن هذه الشاعرة العراقية التي انطلقت تجربتها عقب الثورة التي أحدثها جيل الروّاد في القصيدة الحديثة شكلا، ومضمونا.
وقد أقام منتدى الثقافة في بريطانيا جلسة استذكارية للراحلة، تحت عنوان” الشاعرة لميعة عباس عماره: القصيدة والوطن” وحلّت الشاعرة ريم قيس كبه، ضيفة في الجلسة التي أدارها د. عامر هشام الصفار، وبعد انتهاء الشاعرة ريم قدّمنا مداخلة، بدأناها بتوجيه الشكر للشاعرة ريم قيس كبه على ورقتها التي تضمّنت استذكاراتها مع الشاعرة الراحلة، وللدكتور عامر هشام الصفار على تنظيمه، وإدارته الجلسة، وأثنينا على دعوته النقاد لدراسة شعر لميعة، وشاركني في ذلك الدكتور سعد التميمي في تعقيبه، فشعر لميعة لم ينل الاهتمام النقدي، والدرس الأكاديمي الذي يستحق.
فالراحلة شاعرة ذات صوت متفرّد في الشعرية العراقية، والعربية، فقبل لميعة عباس عمارة، كنا لا نكاد نفرّق بين الشعر الذي تكتبه المرأة، والشعر الذي يكتبه الرجل، الا في حالات نادرة، لكننا حين قرأنا ” لو أنبأني العرّاف”، بهرنا حسّ الشاعرة الأنثوي الطافح، من بين الحروف، الذي يفيض من على المنصة، وهي تتمايل جمالا، ودلالا عند إلقائها لنصوصها.
كما رأيتها على منصّة النادي الثقافي عام ١٩٩٩ خلال مشاركتها بمهرجان الخنساء للشاعرات العربيّات :
لو أنبأني العراف…أنك يوما ستكون حبيبي
لم اكتب غزلا في رجل…
خرساء اصلي..لتظل حبيبي
لو انبأني العراف
أني سألامس وجه القمر العالي
لم العب بحصى الغدران
ولم أنضم من خرز آمالي
هذا الحس لازمها حتى عند كتابتها للنصوص المتصلة بقضايا الوطن، والإنسان، وهي في مطلع حياتها كانت يسارية، فقد كانت الأنوثة تطلّ من بين السطور، وتمدّ عنقها من خلف الاسلاك الشائكة، كما في قصيدتها التي تخاطب بها ياسر عرفات:
صنوُ الملوكِ ويطلبون رضاهُ
يختال من زهدٍ على دنياهُ
يدعونه الختيار، ذاك لحكمة
وأنا كما الطفل النقي أراهُ
لولا جلالة قدره ولكونه
رمزَ الفداء لخلتني أهواهُ
خارج فلك الأنوثة، والمحتوى الذي تنطوي عليه، من الناحية الشكلية، نصوصها قصيرة، ومكثفة، وتقوم على الومضة الشعرية مع اعتماد حس المفارقة:
أحتاج إليك حبيبي الليلة
فالليلة روحي فرس وحشية
أوراقُ البردي
أضلاعي.. فَتِّتْها
أطلِقْ هذي اللغةَ المَنسيّة
جَسَدي لا يحتملُ الوَجْدَ
ولا أنوي أن أصبحَ رابعةَ العدوية
النصوص القصيرة التي ماتكون بالتوقيعات
تقول لميعة في واحدة من ديوانها (عراقية) :
تمنيت شعري كتنوركم
تستدير الحروف به أرغفة
تغذي المساكينَ
كلَ الجياع على الارصفة
ولكن شعري وآسفاه
يظل حروفا
ترف على الشفة المترفة
إلى جانب حس السخرية، وذكرت أنني سألت الشاعرة :هل تنوين كتابة مذكراتك؟، فأجابت :هذه مذكراتي( وأشارت إلى أوراقي المنثورة على الطاولة) وذكرت لها: أننا قرأنا لها عشر حلقات من مذكرات كتبتها ونشرتها في جريدة” الشرق الأوسط” لماذا أوقفت كتابتها؟ فأجابت “قول الصدق لم يترك لي صديقا، كما قال الامام علي (ع) “، وقالت “أنا لا أطمع برضى أحد، ولا أخاف سخط أحد، ويكفيني ما يكفي الإمام الشافعي حين قال:
امطريني لؤلؤا جبال سرنديب
وفيضي آبار تكرور تبرا
أنا إن عشت لست أعدم قوتا
وإذا مت لست أعدم قبرا
وأشرت إلى ان الشاعرة كانت حاضرة معنا بروحها ونصوصها التي كانت تلقيها الشاعرة ريم على مسامعنا أيام دراستنا الجامعية، أنا والشاعر عدنان الصائغ ود.رعد السيفي ود.علي الشلاه، وفضل خلف جبر، و د.سعد محمد التميمي ، ودنيا ميخائيل وأمل الجبوري.
وأشرت إلى جرأة الشاعرة لميعة، وصراحتها ، ففي حوار معها المنشور في جريدة الزمان العدد 304 في 26 -4-1999 سألتها: هل تحبين أن أحذف شيئا من هذا الحوار؟، فأجابت بثقة عالية، وإصرار” كلا، فأنا لا أخاف أحدا، ولم أزاحم أحدا على منصب، ولم أتزلف أحدا، وأنا شاهد العصر المحايد”
وتطرقنا الى تفاصيل أخرى حول علاقتها بالسيّاب التي لم تكن تتجاوز الصداقة الراقية، وهذا ما أكدته الشاعرة ريم، كما تطرّقنا إلى الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد، وتفاصيل أخرى عن شاعرة ستظل حاضرة.